الاستاذ ليس المقصود

TT

«كاظم» من اكثر الاسماء شيوعاً في العراق. وهو شائع لا تيمناً باسم موسى الكاظم رضي اللّه عنه، كما يتصور البعض، وانما لأن من المهم لاي شخص يعيش في العراق أن يتعلم كيف يكظم عواطفه وافكاره. كذا الأمر بالنسبة للاسم جعفر. هذا ايضاً اسم شائع في العراق يتصور البسطاء انه تيمناً بالامام جعفر الصادق رضي اللّه عنه، في حين انه مشتق في الحقيقة والواقع من دمج «جع» و«فر» والجوع والفرار من اهم مظاهر الحياة العراقية.

وهكذا فعندما رزق السيد جعفر بولد ظريف ولطيف واراد له الخير والسلامة سماه «كاظم». فعل ذلك بكل حسن نية ومحبة بالنسبة لوليده، ولكنه لم يدرك ما سيجره عليه هذا الاسم الشائع من البلايا والمصائب. أنهى كاظم جعفر الدراسة الثانوية ونال شهادة الحقوق ودخل السلك الدبلوماسي ثم اصبح محامياً شهيراً في بغداد، من دون ان يدرك ما سيجره عليه اسمه من المشاكل في العهود الثورية. وهو ما جرى له عندما اقتضت اعماله السفر إلى اوروبا. ما أن وصل الى المطار ونظر ضابط السفر في قوائم المنع حتى القى القبض عليه باعتباره كاظم جعفر المحكوم عليه بالاعدام والهارب من وجه العدالة.

وبعد كثير من المناقشة والتوسل والاستعطاف، اعاد له الضابط جوازه وأمره بأن يذهب إلى لجنة الاسماء ويعالج الموضوع باثبات براءته ففي معظم جهات الشرق الأوسط، الاصل في المواطن ان يكون بالولادة محكوماً عليه بالاعدام وللسلطة ان تنفذ فيه الحكم متى ما شاءت وتوفرت مشنقة شاغرة، ما لم يثبت المواطن العكس ويدلي ببراءته.

ذهب الاستاذ كاظم جعفر وحضر امام لجنة الاسماء، وهي ايضاً مما يتميز به العراق. توجد في كل الدول لجان تحقق في حقوق الانسان وانتشار الامراض وتشجيع العلوم والفنون. في العراق توجد لجنة اسماء تحقق في تشابه الاسماء العربية الحسنى. قدم المحامي الكبير ما يكفي من الادلة لاثبات انه ليس بكاظم جعفر المحكوم عليه. سمحوا له عندئذ بالسفر ولكنه ما أن عاد حتى تكررت المعضلة في نقطة الدخول. وظلت تتكرر في شتى المناسبات حتى أخذ زميلنا الفاضل يعتقد بانه ربما فعلاً هو المحكوم عليه بالاعدام ونسي ذلك. اخيراً تطوع أحد الموظفين العقلاء ـ وهو شيء نادر في سلك الموظفين ـ فأضاف إلى حقل الاسم واسم العائلة هذه العبارة الذهبية بين قوسين: كاظم جعفر (ليس المقصود به كاظم جعفر المحكوم بالاعدام).

ومع ذلك فالمشكلة لم تنته. كان في طريقه للحج عندما توقف في الاردن. فاعتقلته الشرطة الاردنية باعتباره مطلوباً من السلطات العراقية. نصحوه بمراجعة السفارة العراقية حيث اتضح ان هناك كاظم جعفر آخر متزوجاً بامرأة ساقطة مطلوبة عن جرائم مخلة بالشرف. وبعد ان اثبت للمسؤول انه ليس ذلك الرجل، توسل بالقنصل ان يضيف عبارة جديدة لحقل الاسم واسم العائلة بحيث يصبح «كاظم جعفر (ليس المقصود به كاظم جعفر المحكوم بالاعدام ـ وليس كاظم جعفر المتزوج بامرأة ساقطة)».

اخيراً وفي بيروت اعتقلوه باعتباره كاظم جعفر المطلوب من انتربول عن جرائم احتيال وغش عالمية. استغرق الأمر عدة ايام ليثبت للمسؤولين انه ذلك المحامي الكبير البعيد عن مثل هذه الجرائم، رغم كل ما شاع وانتشر بين محامي هذا الزمان من غش واحتيال. صدقوا دعواه واستعاد جوازه ليسرع به إلى القنصل العراقي ليضيف إلى حقل الاسم هذه العبارة الجديدة: (وليس المقصود به كاظم جعفر المحتال العالمي المطلوب من انتربول) وهكذا حصل، حيثما ذهب ليراجع في قضية ما كانوا يشيرون اليه بليس المقصود به كذا وكذا، حتى نسي الناس اسمه الاصلي واصبح معروفاً بينهم باسم «ليس المقصود».