صفقات عسكرية قد تحقق حلم روسيا بمنافسة الكبار

TT

تجاوزت روسيا خطوطاً حمراء ولم تعد تكترث بالاتفاقيات لا سيما تلك الموقعة مع الولايات المتحدة عام 1995 التي وقعها رئيس الوزراء الأسبق فيكتور تشيرنوميردين مع نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور التي وصفت في حينها بـ «الاتفاقية السرية» التي تلزم موسكو بالامتناع عن تصدير الاسلحة والتكنولوجيا العسكرية لايران أو إلى دول اخرى تصفها واشنطن بـ«المارقة» والتي تصنفها في قائمة الخصوم.

كما لم تعد موسكو تهتم بالجهة التي تصلها الأسلحة الروسية أو الطرف الذي يمكن ان تستخدم ضده وذلك من منطلقات سياسية واقتصادية بحتة احدثت تغيرات على نهجها السابق الذي كان يركز على اقتصار وصول السلاح الروسي الى اطراف سياسية وانظمة ذات نهج محدد يلبي رغبات الكرملين حتى لو كان ذلك النهج يتقاطع مع مصالح شعوب تلك الأنظمة والحكومات.. وطبيعة علاقات موسكو مع بغداد ذات الاهداف النفعية تعكس مدى تهافت روسيا نحو «الكعكة العراقية» في ظل السلطة الحالية المدينة لموسكو بمليارات الدولارات حصيلة توريد اسلحة ومعدات عسكرية للعراق خلال سنوات الحرب مع ايران.

روسيا التي يخمن خبراؤها ان دول الشرق الأوسط ودولاً اسيوية اخرى قد تصرف ما قيمته 60 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة لغرض التسلح تسعى لتسجيل حضور مميز في تلك الأسواق يوازي حضورها في المعارض العسكرية التي اقيمت في منطقة الخليج للحصول على عقود من الصفقات العسكرية المقبلة لذا نراها تتهافت على اسواق بغداد وطهران بعد ان حققت نجاحات في اسواق نيودلهي وحتى جاكارتا محاولة بذلك منافسة الدول الكبرى الأخرى التي جعلت من بعض اسواق الدول حكراً على معداتها العسكرية واحتلت المركز الأول في مجال تصدير السلاح عالمياً.

وتراهن روسيا التي ادخلت تقنيات حديثة على اسلحتها المختلفة على منافسة الولايات المتحدة في اسواق السلاح العالمية بعد توقيع اتفاق تعاون مع اندونيسيا يقضي بتوريد مروحيات متطورة الى جاكارتا بكلفة 12 مليون دولار في صفقة هي الأولى من نوعها بين الجانبين لكسر حكر بيع السلاح الى هذه الدولة من اطراف محددة حيث كانت تقتصر استيرادات اندونيسيا على الاسلحة الاميركية والبريطانية وهما دولتان تستغلان توريد السلاح لممارسة ضغوط سياسية مثلما يحصل الآن مع تايوان التي ما فتئت تتلقى تعهدات اميركية بتزويدها بمدمرات من طراز كيد وطائرات بي 3 اوريون مضادة للغواصات وذلك منذ الأزمة التي كادت ان تنشب بين الولايات المتحدة والصين اثر وقوع طائرة تجسس اميركية بطاقمها بقبضة السلطات الصينية بداية شهر ابريل الماضي، بل ان تايوان تعرب عن ثقتها بالحصول على غواصات تسير بالديزل من الولايات المتحدة ليست مصنعة في اميركا وذلك في محاولة واضحة هدفها الضغط على الصين.

وتنوي اندونيسيا التي اكدت انها بحاجة ماسة الى صفقة المروحيات الروسية بهدف مراقبة الحدود ونقل المشاة في الاقاليم التي تشهد اجواء متوترة الحصول على طائرات روسية مقاتلة من طراز سوخوي 30 كي في اطار صفقة معدات عسكرية ارجئت عام 1997 بسبب اوضاع البلاد المالية والأزمة الاقتصادية التي عصفت بالحكومة في حينها تعمل جاكارتا على احيائها بكلفة 50 مليون دولار.

روسيا من جانبها لم تعد تنظر الى طبيعة استخدام مثل هذه الطائرات او الهدف من وراء حصول الطرف الآخر عليها بقدر اهتمامها بتحقيق حلمها الذي عبر عنه الجنرال بوريس كوزيك الذي يشرف على احدى اكبر الشركات الروسية في مجال التكنولوجيا العسكرية المتطورة حين دعا الى بيع منتجات عسكرية الى ايران والهند والصين والى دول اخرى مؤكداً اعتبار ذلك قاعدة على روسيا اعتمادها بوصفها تمتلك تكنولوجيا متطورة.

ويأمل الجنرال كوزيك زيادة صادرات روسيا من الاسلحة لمنافسة الدول الاخرى واحتلالها مركزاً متقدماً بين مصدري الاسلحة في العالم.

ووفق احصائية رسمية صادرة في موسكو فإن روسيا تبيع معدات واسلحة تتراوح قيمتها بين 3 ـ 4 مليارات دولار سنوياً لتحتل بذلك المركز العالمي الرابع في مجال تصدير السلاح بعد الولايات المتحدة التي تحتل المركز الأول حيث تصل ايراداتها من بيع الأسلحة الى 26 مليار دولار تليها بريطانيا التي تصدر اسلحة بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً ثم فرنسا التي تبلغ وارداتها من بيع الأسلحة نحو 6.6 مليار دولار كل عام.

وتهتم روسيا بتنويع اسواقها بعد ضمان السوقين الصيني والهندي حيث يشتري البلدان قرابة 80 بالمائة من الاسلحة والتقنيات العسكرية الروسية وفق تقديرات خبراء من الصين والهند حيث ترتبط الأخيرة بعقود مشتركة مع روسيا لانتاج القسم الاعظم من بعض الاسلحة الروسية منذ العهد السوفيتي مثلما تنتج الصين ايضاً بعضا من اجيال طائرات الميغ المقاتلة بالاتفاق مع روسيا وتشير التقارير الى ان نسبة الأسلحة الروسية تشكل نحو 65 بالمائة من الأسلحة التي بحوزة الهند التي باتت وبترخيص خاص تنتج القسم الأعظم من الدبابة الروسية تي 72 وطائرات مقاتلة منها ميغ 21 وميغ 23.

وعقب زيارة لموسكو قام بها وفد هندي عسكري رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع توصل الجانبان الى صفقة عسكرية تصل قيمتها الى 11 مليار دولار وهو ما ادخل الوضع في شبه القارة الهندية في دائرة سباق تسلح خطيرة لم تثن موسكو ونيودلهي عن مواصلة السعي لتوريد مزيد من الاسلحة الروسية الى المنطقة التي تمتلئ بترسانات الاسلحة غير التقليدية بما في ذلك النووية والصواريخ بعيدة المدى حيث تحاول الهند الحصول على حاملة الطائرات الروسية «الادميرال جارتسكوف» التي كانت ترابط في مياه بحر الشمال قرب سواحل دول البلطيق الثلاث «استونيا ولتوانيا ولاتفيا» التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولم تعد هناك حاجة لها.. وتقدر قيمة الحاملة الادميرال جارتسكوف بملياري دولار.

صفقات عسكرية بهذا الحجم ربما تحقق حلم الجنرال الروسي كوزيك الذي يرى ضرورة اعتماد نهج يجعل من روسيا قادرة على زيادة مبيعاتها من الأسلحة حتى 5 مليارات دولار.

* كاتب وصحافي عراقي