من الشارع العربي إلى الحاكم العربي

TT

سيدي الذي يعنيه الأمر إذ يوجد من لا يعنيه الأمر في هذا الخطاب.

أما بعد، دعني سيدي أتحدث إليك مباشرة، دغري، بهدوء، باحترام، دون مسح جوخ ومديح لظل واطي ترفعه الكلمات إلى علو يطال الآلهة ويتمحك في شراكة من لا شريك له، لن أكون صريحا كما أرغب! وأنت سيد العارفين لماذا؟.

أنا يا سيدي موجود ولكن الحق لست كذلك في الجوهر الكينوني، في المعنى التاريخي، بمعنى الحراك الاجتماعي الفاعل، المولد لأحوال السياسة ودوالها السلمي بين القوى السياسية وعليه واليه أني موجود بحسبي مفعول به!!.

عفوا سيدي، لا ابغي ان ازعجك فلسفيا بالحديث عن الوجود والماهية والصيرورة كي أقول اني في وضع صعب، بل مزرٍ، يشعرني بالذل والإهانة، لا سيما انهم، سيدي، يتحدثون عن وجود شارع باسمي يتوعدون به اسرائيل وضواحيها (= اميركا وأوروبا!!) بل انهم يمضون بي الى تهديدك سيدي!!.

لكن لا توسوس من جهتي، اطمئن، اني منذ قرون تنطح قرونا، باق، مستمر في تلفيق العيش أحمل الهموم والاكراهات، والمهانات بصبر حمار عربي قح!!.

يذهب مستبدون ويأتي مستبدون بأصناف متنوعة حسب مواصفات المرحلة: خديويات وبايات وصنيعات فرنجة وانقلابيون مغامرون واشباه ديمقراطيين..! سيدي، لا تنصت الى التقارير التهويلية عن الاحباط الذي يسكنني والاختناق الذي يلفني كأنشوطة والغضب الذي يطبخني باثا انتفاضات هنا وهناك تقلب الادوار وتبدل الاحوال، تزيح الكانخ البالي الخامج الراكد الساكن الخاضع!.

لا شيء من هذا سيدي!! لا وجود لشيء من هذا! لقد رأينا كيف عبرت اصوليات الاسلام السياسي الارهابية عن مشروعها البديل من طريق توسل الذبح هو الحل! فهي ما كان ولن يكون بمقدورها الاطاحة بدولة وتسيير مجتمع اللهم افغانستان أو الصومال في اصعب الاحوال!.

لا اتحدث هنا بالطبع عن الاسلام الجهادي الكربلائي في فلسطين ولبنان، فأولئك هم الفرقة الناجية من الفضيحة التاريخية!!.

اتحدث عن «جهاد» الاسلام السياسي في قتل أفراد الشرطة والمدنيين والسياح الاجانب والمفكرين والمطربين وملاحقة الآراء والافكار والابداع، وحتى التدخل في شؤون الفراش الزوجي!.

فدعك منهم سيدي، فأنت معك طبقة الخصوصة والاستثمارات والمنتجعات واحزاب الزينة وصحافة حرية التعبير عن غلاء الاسعار والمهور ومشاكل المخدرات!.

ومعك مخلفات مثقفي اليسار المنهار وقد صاروا من محبي «السلام» ومزيني «قوانين الطوارئ» وحاملي «جوائز الدولة التقديرية» و«أوسمة الوفاء»!!.

قد تقول وماذا عن الديمقراطية التي اصبحت أكثر رواجا من الكلينكس والى متى يمكن تعويمها بعرض ما شبه لهم!!.

اعتقد انك لم تفقد ثقتك في التحليل الذي يؤكد ان الديمقراطية ليست مسألة حياة أو موت عند ساكنيّ بمستوياتهم الطبقية المتباينة ـ المتقاطعة!.

فهم لن يخرجوا في زمن منظور (البعض يقول ليس في هذه الألفية أو قل على أقل تقدير لا في عهدي ولا في عهدك) جماعات جماعات تجمعها كلمة سواء ملخصها تقرير مصيرهم باصواتهم.

فلا انت ولا انا سنرى في عهدينا آلاف الشباب والشابات ينفخون في الصافرات بغية اسقاط طاغية كما حدث في شوارع بلغراد!.

فلا الوقت ولا الظروف ولا العقلية ولا الثقافة ولا التراث ولا ولا وألف لا.. تجعل مني ذلك الشارع الصاخب بالحريات..!!.

وكيف ذلك ولا وجود للنفس التي تنفخ في صافرات الاحتجاج، وكيف لها ان تكون واصحابها خارج التاريخ؟! لا خوف اذن من جهة احتمال اضطرابي بسبب بؤس العيش والعطالة عن العمل، والحجر على العقل واللسان!.

لا خوف من جهة احتمال غضبي بسبب تزوير الانتخابات وتضخم الفساد وتهدم الاقتصاد ونهب المال العام..!.

ولا ثوران لثائرة بسبب ضحالة الراتب وبطالة العمل واللعب برغيف العيش احتيالا على رفع سعره بالغش في نوعية دقيقه والنهب من وزنه!.

اني شارع فهيم لبيب!!.

اتفهم وضع الديمقراطية الشكلية بحراسة قوانين الطوارئ وصحافة الضحك على الذقون، بحرية تعبير يضمن سقفها الاقصى الحديث عن أزمة المرور وغلاء الاسعار والاغنية الشبابية وحتى الفساد الاداري الى ما دون درجة وزير!.

وفي الختام، أقول لك بصراحة عارية: لست (أنا) سوى مضمون تاريخي تافه مضخم بالتبجح العربي القح لشارع هو شوارع بعناوين دالة على تباينات شكلية للتخلف والاستبداد والتبعية و.. في الختام لك مني؟؟؟؟؟

[email protected]