النفط قنبلة ذرية لا سلاح ضغط (2 ـ 2)

TT

في الآونة الاخيرة تزايد عدد الذين يريدون ويدفعون الامور نحو قطع البترول لأسباب سياسية. ولا الوم اولئك البعيدين الذين لا يهمهم ان تفقد السعودية ستين مليار دولار كل عام بما يعنيه من تطبيب وتعليم ووظائف لنحو عشرين مليون انسان. لكن الوم البسطاء من المحليين الذين يطالبون بأن تطبق هذه الدول الخليجية حكم الاعدام على نفسها فقط من اجل الضغط على واشنطن..

لكن احدا من هؤلاء المتنادين بالزيت سلاحا لم يدرك، وبعضهم لا يهمه ان يدرك، ان النفط في السعودية او الامارات لا يسيل من رأس هضبة مثل النيل، ولا يظهر طافحا كبحيرة طبريا. استخراجه عملية في غاية التعقيد وغالية الثمن، ووسائل الكشف عنه من الفضاء او الوصول اليه في باطن الارض امكانياتها محدودة في العالم. لنقل بوضوح لا لبس فيه اننا بدون علاقة جيدة مع الغرب لن يكون لدينا نفط يسيل. وبلا نفط فلن تسير حياتنا عادية. كيف تنتج السعودية ثمانية ملايين برميل في اليوم؟ ما الذي جعلها تتربع على عرش سوق النفط في العالم؟ كونها تملك اكبر احتياطي بترول في العالم ليس وحده السبب، فالعراق الثاني في العالم، ومع هذا فهو دائما في مؤخرة المنتجين وايران كذلك، بل لأن السعودية طورت امكانياتها وهذا التطوير لم يحدث بين ليلة وضحاها بل تم على مدى سنين طويلة. اما العراق الذي يملك ثاني احتياط بترول في العالم فقد دمر امكانياته قبل اكثر من ثلاثة عقود يوم سارع الى التأميم. من باب الوطنية العمياء استولت الدولة على مهمة البحث والاستكشاف والتنقيب والانتاج والشحن والتصدير فحولت العراق البلد الغني الى بلد فقير بلا موارد كافية. وحتى تعوض عن فشلها في ادارة صناعة النفط سارت على درب القراصنة، مرة بمحاربة الاكراد في الشمال الغني بالنفط، وتارة باحتلال مناطق ايران البترولية، ثم هجمت على الكويت طمعا في بترولها. وسر ثراء الامارات او السعودية هو سر فقر العراق، هو التفرغ لبناء البلاد او التفرغ لتخريبها. ان الذي يجعل بلدانا خسرت فرص التنمية اليوم في العالم العربي وحتى في خارجه إما استمرار نظامها السياسي مثل العراق بلا أمان للمواطن والمستثمر، او مثل نيجيريا بأنظمة متقلبة حتى صارت من الدول المنسية. وهناك ايران، الدولة التي كانت لاعبا دوليا مهما في سوق النفط، هي الأخرى فقدت موقعها ومعظم مداخيلها بعد الثورة عندما حاربت الدولة التي تملك ادوات الكشف والانتاج اي الولايات المتحدة، فحظرت عليها واشنطن استخدام تقنية آليات النفط الاميركية ومنعت شركاتها من العمل في ايران. عودة الى رأس الموضوع وبدايته، فان النفط الذي هو في المحصلة الاولى والاخيرة يمثل حياة الناس هنا ومصدر رزقهم، مثل ان تهدد مصر بقطع نهر النيل عن سكانها، لم يعد مقبولا لأحد ان يهدد به في الحرب او السلم.