بناء الدولة الفلسطينية شرط لأمن إسرائيل

TT

من الواضح ان الوضع في منطقة النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي بالغ التعقيد. ولا تزال مخاطر اتساعه بعيدة عن الحلول. وليست هناك حوافز لاستئناف المباحثات ولا نجد ما يمكن قوله من اجراءات الثقة. فعدم موافقة الطرفين على نتائج تقرير لجنة ميتشل ثم على الخطة التي طرحها تينيت، يمكن ان تجعل الموقف اكثر سوءا. لكن الموافقة بالاقوال على هذه المقترحات لا تعني التنفيذ بالافعال وهذا ما يؤكده الواقع العملي. فقد تضمنت مقترحات لجنة ميتشل مطلب الوقف الفوري لتوسيع وبناء الجديد من المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وذلك واحد من أهم مكونات «الحزمة الليبرالية». لكن القيادة الاسرائيلية لم تنطق بعد باستعدادها للاقدام على ذلك. فالمستوطنات تعد واحدة من اكثر النقاط المثيرة للتوتر. وتتواصل الاصطدامات اساسا بين الفلسطينيين والمستوطنين الاسرائيليين.

وتتضمن خطة تينيت الربط بين وقف اطلاق النار ورفع الحصار عن النقاط الفلسطينية المأهولة. ولا تفعل اسرائيل حتى ذلك.

ومن جانب الفلسطينيين لم يجر ايضا تنفيذ مطلب تينيت حول اعتقال قيادات تلك المنظمات التي اخذت على عاتقها مسؤولية الاعمال ضد السكان المدنيين الاسرائيليين. لكنني والحق يقال يمكن ان افصل بين الاسباب الذاتية والموضوعية لعدم تنفيذ بعض احكام «حزمة» التوصيات. اما فيما يتعلق بمطالبة عرفات بتنفيذ الاعتقال فانه حتى في حالة اذا استطاع فعليا الاقدام على ذلك فانه من الممكن ان تظهر في الاراضي الفلسطينية حالة الحرب الاهلية التي لا يمكن التنبؤ بعواقبها. فهل من الممكن ان يفكر احد ما بجدية في ان يكون ذلك خطوة نحو الاستقرار، وكسر دائرة العنف واقرار السكينة التي تفتح الطريق امام استئناف عملية المباحثات؟ بالطبع لا.

لقد كتبت عن انه وبدون «حقن» سياسية خارجية يبدو من الصعب الخروج بالازمة الفلسطينية ـ الاسرائيلية من مرحلتها الراهنة البالغة الخطورة. وبطبيعة الحال من الممكن ان يظهر ويظهر فعلا عدد من المؤشرات الدالة على تدهور الموقف. وهذا شيء جيد. لكنه ومع ذلك فان هذه المؤشرات ليست دامغة. والأهم انها عاجزة عن توفير الظروف التي تستبعد الانفجار الجديد للموقف. ومع ذلك اعتقد ان المجتمع الدولي في المرحلة الراهنة وان لم يكن راضيا فعلى الاقل يكتفي بما تحقق. وذلك خطر في حد ذاته. وخطر من باب اولى لان مثل هذا «التحفظ» لا يراعي او يحدث من منظور الرغبة في اغفال النظر الى كون الجنرال شارون لا يرد على اعمال الفلسطينيين وحسب بل وينفذ سياسته المبادرة.

ولكم اود ان اكون مخطئا بهذا الصدد لكنني اعتقد ان هذا النهج يستهدف دفن فكرة استقلالية الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولقد كشف صراحة واحد من التصريحات الانفعالية التي «أفلتت» عن لسان شارون عقب توليه السلطة كرئيس للوزراء، عن مثل هذه النوايا. واذا اضفنا الى ذلك تصريحه حول استعداده للتفاوض حول ان «تؤول» للفلسطينيين نسبة 45 في المائة من الاراضي المحتلة يمكن ان تكون الصورة اكثر وضوحا. ألا يكون شارون بذلك يحاول بعث «خطة آلون» مع قليل من التحديث؟ وأريد تذكير القراء بأن هذه الخطة كانت تستهدف بناء الدولة الفلسطينية على اراضي الاردن. ولا أستبعد ان يكون هناك في اسرائيل من يمكن ان يرى الخروج من الوضع الراهن في ان يضيف الى الاردن 45 ـ 50 في المائة (وقد يكون اكثر بقليل) من اراضي الضفة الغربية وبناء الكونفدرالية الفلسطينية ـ الاردنية، وربما الفيدرالية؟ مثل هذا الحل غير مقبول بشكل واضح للفلسطينيين الذين يناضلون على مدى سنوات عديدة من أجل دولتهم المستقلة ذات السيادة. لكن هل يراعي مثل هذا الواقع من يريد تجسيد خططه المعادية للفلسطينيين مستفيدا من السخط المشروع من جانب الاوساط العالمية نتيجة الاعمال الارهابية ضد السكان المدنيين؟

وأريد مرة اخرى ان اكرر: يجب على الفلسطينيين ادراك عدم جدوى العمليات ضد السكان المدنيين الاسرائيليين مهما كان «المنطق» الذي يبرر مثل هذه العمليات. وعلى الاسرائيليين بدورهم ان يدركوا انه بدون قيام الدولة الفلسطينية على أسس التنازلات المتبادلة التي ترضي الطرفين لا يمكن ضمان الامن الوطيد لاسرائيل. اما المجتمع الدولي، وبالدرجة الاولى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي ومصر والاردن فلا يمكنه الاستكانة «لفترة هدوء» وكأنما مكتفيا بمتابعة تطورات الاحداث من مواقع عدم الاكتراث.

* رئيس الوزراء الروسي الاسبق ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»