سبيلبرج يسخر من ديزني

TT

احدث فيلم يستقطب اهتمام المشاهدين في اوروبا اسمه Shrek والمفروض انه للاطفال لكن هؤلاء لا يذهبون للسينما وحدهم، وهذه المرة سيكون لاهلهم الذين يذهبون معهم مكسبان، الاول الاستمتاع بالبهجة على وجوه اطفالهم، والثاني الضحك معهم حتى تنقد الخواصر على فيلم يمتلئ من اوله الى آخر لقطة فيه بالسخرية المرة والذكية من افلام ديزني.

والذي يسخر من ديزني ستيفن سبيلبرج ولكن بالوكالة، وليس بالاصالة فهو ليس مخرج فيلم «شريك» لكن اصابعه واضحة خلف هذا الانتاج، ولا يمكن ان يتنصل من انه الساخر الاول من منافسيه فالشركة المنتجة للفيلم Dream Work هي شركة ستيفن سبيلبرج التي تبنت فكرة عبقرية تسخر فيها من والت ديزني وتقدم في الوقت ذاته فيلما ممتازا للاطفال والكبار، فتنتقم وتربح في معادلة نادرا ما شهدتها الشاشات العالمية.

والبطل Shrek الذي يحمل الفيلم اسمه غول معتزل داخل مستنقع في غابة بعيدة وهو على عكس غيلان القصص العربية طيب القلب وغير مؤذ، وقد بدأت محنته حين جاءت جميع شخصيات قصص الاطفال الى مكان اقامته هربا من المدينة التي حكمها لورد جبان وشرير همه الاول طرد ابطال قصص الاطفال من المدينة.

وكان اول الواصلين للغول حمار صغير حكى له كيف انه يعيش بلا صاحب بعد ان هجره اقرب الناس اليه، فلما سأله الغول: لماذا؟ قال الحمار: لانه يغني على الدوام، ومع اول وصلة نهيق انطلقت من حنجرة الحمار اسكته الغول وسد فمه قائلا: بهذا الصوت سيهجرك الجميع ان لم تقلع عن هواية الغناء.

والحمار لا يغني فقط ولكنه يطير ايضا، ففي المشهد الاول ترش عليه «تنكربل» وهي من شخصيات «بيتربان» الهاربة من المدينة بعض الذرور الذهبي فيحلق عاليا في السماء ليواصل الغناء ويقلق اهل الاسافل والاعالي.

وحبكة الفيلم تتلخص في صفقة يعقدها الغول مع اللورد الذي اخبرته المرآة السحرية بانه لا يستطيع ان يصبح ملكا ان لم يتزوج احدى اميرات القصص، سندريلا او سنو وايت او اميرة ثالثة اسمها فيونا يحبسها عفريت في قلعة نائية ويحرسها كالعادة تنين يقذف من جوفه اللهب.

ولأن اللورد الجبان لا يريد ان يذهب بنفسه لانقاذ الاميرة، كما تقتضي الاصول الفنية، يقيم مباراة بين شجعان المدينة وفرسانها بحيث يذهب المنتصر فيها نيابة عن اللورد لانقاذ الاميرة فيونا الخاضعة بدورها لسحر ساحرة يحيلها كل مساء الى غولة ولا يمكن ان تشفى منه ما لم تحصل على قبلة حب حقيقي.

ومع وصول الغول للمدينة ليشكو من ضجيج شخصيات القصص حول مستنقعه ويطالب بترحيلها يجد المباراة في نهايتها فينتصر على جميع الفرسان ويقرر اللورد ارساله لانقاذ الاميرة التي سيتزوجها مقابل ان يخلي مستنقعه من الشخصيات والناس ليعود الى وحدته وهدوئه.

وفي رحلة الانقاذ يذهب الحمار مع الغول وتبدأ السخرية الحقيقية فنكتشف ان التنين الذي يحرس القلعة أنثى تقع في حب الحمار من اول وصلة واول نظرة واول نهقة، وبدلا من ان يقبل المنقذ الاميرة الاسيرة كما تقتضي قصص الاطفال يهزها هزا عنيفا، ويوقظها ثم يحملها غصبا عنها بطريقة تليق بالوحوش والغيلان.

وفي طريق العودة يعترض روبن هود فريق الانقاذ، ويعرض على الاميرة ان ينقذها، كما تقتضي الاصول، لكنها تشبعه ضربا وركلا، وتظهر له عوضا عن رقتها مخالبها وانيابها، ثم نشاهد عجائب اخرى على عكس ما اعتدناه من بطلات القصص، فصوت الاميرة فيونا لا يدفع العصافير للغناء معها لان طبقته العالية تنفخ أي عصفور كالبالون ثم تدفعه للانفجار، وبدلا من ان تحزن الاميرة الرقيقة على العصفور تذهب وتخرب عشه وتقلي البيض الذي تركه كوجبة افطار لها وللغول والحمار حبيب التنينة.

والمفارقات الساخرة في هذا الفيلم الذي يسخر فيه سبيلبرج مباشرة ومداورة من والت ديزني كثيرة، وطريفة، وزادها حلاوة الاصوات الانيقة لممثلين كبار، فقد ادت صوت الاميرة فيونا الممثلة كارمن دياز، وادى صوت الغول النجم مايك مايرز، اما صوت الحمار وهو من اطرف شخصيات الفيلم فيؤديه الممثل الكوميدي الكبير ايدي مورفي.

ولن نفسد النهاية على المشاهدين الذين سيضحكون كثيرا مع افكار مبتكرة لحمار يغني وتنين يقع في الغرام، وغول يقطر رقة، ودماثة، ويحب كالعادة البطلة التي ينقذها.

ان فيلم «شريك» لا يسيء الى ديزني بل يؤكد المبدأ القائل و«الحسن يظهر حسنه الضد» فحين نرى الادوار مقلوبة نضحك من قلوبنا دون ان تفقد الشخصيات نكهتها الاولى، واذا كانت المفارقة الكوميدية تنبع من التضاد والمبالغة فإن هذا الفيلم يذهب بالمبالغات والتناقضات الى حدودها القصوى، ومما يجعل مهمته سهلة ان الناس تعرف سلفا الشخصيات التي يحرف الفيلم ادوارها، ومسارها ليضعها من جديد في اطار طريف ومثير يشد انتباه الكبار والصغار على حد سواء.