كتابات للصيف.. الجوالون

TT

للهاتف النقال فوائد كثيرة، لكنني لا اعرفها، وله بعض السيئات. والى جنابكم عينة منها. احدى اغلظ سيئاته، مثلا، المستر ريتشارد غرين. وقد كان المستر غرين يجلس امامي ببضعة مقاعد في قطار لندن ـ باريس. وقبل ان يتحرك القطار بدأ المستر غرين اتصالاته بمكتبه وزبائنه وشركائه: «هالو بوب، هذا ريتشارد غرين، هل اشتريت اسهم بوتس؟ لا تنس اسهم شركات المياه. انغلووتر على وشك ان تباع. قل لجيمس لا اريد اخطاء صفقة شرودر مرة اخرى. الذهب خسر 2.3% عند اغلاق امس. هذا يعني ان الفضة ستتدحرج. سجل عندك الاتصال بمكتب برلين. لا، ليس مدريد. قلت لك برلين. هل فقدت سمعك ايضا. حولني على اندرو في قسم السندات. اللعنة يا بوب. قلت لك اندرو. مَن الى جانبك؟ انك لا تزال تلعق القهوة والساعة الآن العاشرة و33 دقيقة. ماذا يهمك اين انا؟ انا في القطار الى باريس. لا، لم آخذ الطائرة. لا تنس اسهم باير. محفظة البنوك الكندية تتحسن. ولا تعطوا اجازة لبيتر هذا الشهر واللعنة على بيتر».

واللعنة على المستر غرين. ريتشارد غرين. من لندن الى باريس وهو يثرثر، في صوت اجش ولكنة قبيحة مثل لكنة الممثل مايكل كاين الذي حل بكل فظاظته مكان لورانس اوليفيه وشكسبير والاحرف التي تشبه وقع حوافر الافراس او المهور. ثم جاء مايكل كاين. وبعده جاء المستر غرين. ريتشارد غرين، حاملا هاتفه الجوال. واللعنة عليه وعلى بوب وعلى شركة «نوكيا». ثلاث ساعات وهو يجتر في صوت عال. وكل المقصورة مرغمة على الاستماع. ومر القطار تحت المانش وهذا البغل من شرق لندن لا يزال يدوس على لغة المهور، يستغل الاختراعات الحديثة ويمتحن صبرنا. ولم تكن هناك مقصورة اخرى. فقد امتلأت جميعها هربا من المستر غرين. ريتشارد غرين.

ومرة اخرى في الطائرة الى مونريال. والهاتف النقال ممنوع على الطائرات، هو والسيجار والغليون وريتشارد غرين. لكن هناك هاتفا آخر، هو هاتف الطائرة المثبت في المقعد امامك. وقبل ان نقلع من هيثرو كان ريتشارد غرين الكندي قد استل الهاتف وبدأ. في صوت عال ورتيب. لكن لا فضة ولا ذهب ولا بنوك كندية: «الحقوا اسهم التكنولوجيا مهما هبطت. كلما هبطت كان الامر افضل. ركزوا على نورتل. لا، اترك بروكثر اند غامبل الى ما بعد». حاولت ان اغفو كالعادة. وكنت كلما غلبني النعاس اسمعه يصرخ فجأة: «لا. لا، ليس الهدسون باي. اياك والهدسون باي».

انتقلت في جنيف من طائرة الى اخرى لكي اكمل الرحلة الى نيس. وحشرنا في الباص الذي سينقلنا الى الطائرة الصغيرة حشرا، فيما الريح تعصف والاطفال يبكون والصبيان يلقون الحزازير بصوت عال. وفجأة ظهر ريتشارد غرين فرنسا واستل هاتفه وبدأ يتحدث بلكنة سوقية وصوت عال: لا. لا. لقد الغيت الرحلة الى نيويورك يا عزيزتي كلودين. اسمعي، اين انت، الان؟ آه في لوس انجليس، لقد اعتقدت انك اصبحت في مكسيكو». وكانت الريح تعصف والاطفال يبكون وصبي يمسك مجلة التسالي ويطرح على امه الحزازير.