أزمة الشرعية في أوروبا

TT

ادى التصويت الايرلندي الاخير، الى اثارة القضية الاساسية في هذه المرحلة من التطور الاوروبي، مرة اخرى: كيف يمكن لنا ضمان شرعية ديمقراطية اكبر للاتحاد الاوروبي؟

ومن المفارقة ان العلاج الاكثر وضوحا لافتقاد الدعم الديمقراطي هو ايضا العلاج الاقل ترجيحا في جذب انتباه نقاد الاتحاد الاوروبي. ان المتشككين البريطانيين لانضمام بريطانيا لليورو يوجهون انتقاداتهم لادعاءات «الهيئة غير المنتخبة» ولكنهم لا يرغبون في انتخابها انتخابا مباشرا. وهو الامر الذي إن تحقق فسيؤدي الى البدء في تشكيل سوبر دولة اوروبية ذات حكومة خاصة ورئيس لاوروبا. ان الانتخاب المباشر سيؤدي الى مزيد من تطوير سلطة المؤسسات الاوروبية على حساب البرلمانات الوطنية. وبالرغم من ذلك فإن على الاتحاد الاوروبي ان يقبل مفهوم عدم وجود «عوام» اوروبيين ـ اي سكان يشعرون بالانتماء الى اوروبا. مشكلة الشرعية والديمقراطية مشكلة صعبة. وهي اكثر صعوبة بصفة خاصة لان الاتحاد الاوروبي في غاية القوة.

ان الشرعية الحالية للمفوضية الاوروبية تحققت عبر عدة طرق. فالاعضاء يرشحون من قبل حكومات منتخبة ثم يتم اقرارها فيما بعد في جلسات دعم واقرار عن طريق البرلمان المنتخب انتخابا مباشرا. ان برنامجنا وقراراتنا عرضة للرقابة من قبل برلمانات وهيئات مثل هيئة المراقبين. لقد قدمنا مؤخرا قواعد للشفافية في غاية التقدم، وهو الامر الذي يفتح ابوابنا نحو الرقابة العامة. وهي آلية في غاية الاهمية ولكنه لم يؤد الى قبول عام حقيقي. ويمكننا البدء، فقط، في الفوز بمثل هذا القبول عن طريق شرح، وبوضوح اكثر، ماهيتنا وما لا ننتمي اليه بالتركيز بطريقة اكثر على الكفاءة والنتائج، بأن نكون قبولا للاراء الخارجية وممارسة المزيد من ضبط النفس.

ومن مجالات الرد على نقص الشرعية ما يظهر في البرلمانات الوطنية في الوقت الحالي. ففي الوقت الراهن، يعجز الاتحاد الاوروبي عن الاستفادة من مصدر الشرعية هذا لان مبادراته ينظر اليها عادة باعتبارها انتهاكا للامتيازات الوطنية بدلا من جهد مشترك. واذا كان للبرلمانات الوطنية دور مميز في العملية الاوروبية فستضفي مزيدا من الشرعية على الجهد السوبر/وطني.

ان انتخاب البرلمان الاوروبي عن طريق الاقتراع المباشر عام 1976 قد ادى الى انكماش دور البرلمانات الوطنية. من الصعب الان اعادة عقارب الساعة للوراء ـ ان البرلمان الاوروبي يلعب دورا هاما، لا يمكن للبرلمانات الوطنية القيام بها. و الامكانية الاخرى ـ التي اقترحها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني والرئيس التشيكي فاسلاف هافل وغيرهما ـ هي غرفة اخرى للبرلمان الاوروبي يمكن ان تساهم في تطبيق مبادئ المعونات: تحديد ماهية القرارات التي يمكن اتخاذها على المستوى الاوروبي وما يجب تركه للدول. ويمكن تشكيل عضوية هذه الغرفة البرلمانية من البرلمانات الوطنية. ولا يمكن لهم مراجعة جميع التشريعات، ولكن يبحثون فقط المقترحات التي تمت معارضتها من منطلق المعونات من قبل عدد من الدول الاعضاء. هل هناك حاجة لمثل هذا التشريع؟ الا يمكن تحقيق نفس الهدف بطريقة اقل حدة.

والفكرة الاخرى هي اجراء انتخابات البرلمان الاوروبي في نفس يوم الانتخابات العامة. ويتم تغيير الاعضاء بطريقة دورية مع اجراء الانتخابات الوطنية، بدلا من التغيير مرة كل خمس سنوات. وهناك ميزة مزدوجة لهذا التفكير. فلن يرتفع عدد المقترعين فقط ولكن الاغلبية السياسية ستعكس النموذج القومي. في الوقت الراهن، مع اجراء الانتخابات الاوروبية في منتصف مدة الانتخابات الوطنية، يختار الناس تسجيل احتجاجهم ضد الحكومات التي لا تتمتع بشعبية. ونتيجة ذلك هو ان الاغلبية الشاملة في الانتخابات الاوروبية يمكن ان تكون ذات خصائص متفردة لا تعبر عن موقف الناخبين الحقيقي تجاه البرلمان الاوروبي. والاحتمال الاكثر ترجيحا ان الروابط مع البرلمانات الوطنية ستتطور طبيعيا اذا كانت الاغلبية السياسية داخل البرلمان الاوروبي تماثل بدرجة اكبر البرلمانات الوطنية.

ان البرلمانات الاوروبية ولاسيما ويستمنستر، يجب تشارك مشاركة اكبر في اوروبا. لماذا لا يصبح اعضاء البرلمان الاوروبي اعضاء في المجلس الاعلى في البرلمان الوطني لكي يساهموا في الربط بين النقاش الاوروبي والوطني؟ ويجب ان تشارك اللجان الوطنية بطريقة اكثر انتظاما في عملية التشريع الاوروبية، وتحصل على شهادات من الموظفين الاوروبيين ومن اعضاء البرلمان الاوروبي، ويلتقي باللجان الشقيقة في الدول الاعضاء الاخرى. وعلى الاحزاب السياسية زيادة مشاركتها مع مثيلتها الاوروبية، كما حاولت جاهدا ان افعل، ولاسيما مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي عندما كنت رئيسا لحزب العمال.

واخيرا يجب علينا ان نحدد بوضوح اكثر، في وثيقة سياسية، اين تقع الحدود بين الامتيازات الوطنية والاوروبية. ان المعاهدة التأسيسية للاتحاد الاوروبي تدعو الى مزيد من التوحد بين شعوب اوروبا». «يجب ان نوازن هذا الطموح مع صياغة لكي نوضح ان ذلك لا يعني طريقا باتجاه واحد: ان «المزيد من الاتحاد» لا يعني «المزيد من انخفاض الدول» ربما يتخذ ذلك شكل ضمان واضح. ان قدر الاتحاد الاوروبي هو العمل في تجانس مع الدول الاعضاء وليس مجرد تصنيفهم ضمن اطر اكبر. واذا لم تكن اللغة دقيقة بدرجة كافية، فإن مثل هذه الضمان يجب ان يشجع المحكمة الاوروبية في الطريق الذي اخذته في عدد من القضايا الاخيرة لتعزيز مؤسسات الاتحاد الاوروبي. لا يوجد ما هو اكثر فضلا جوهريا بخصوص الدولية على الوطنية. وكما قال المنظر الاجتماعي مايكل ليند: ليس من العدل اعتبار هتلر نموذجا للفكر الوطني والبرت شفيتس كنموذج للفكر الدولي. وهو سخيف مثلما نعتبر غاندي نموذجا للفكر الوطني وستالين للفكر الدولي».

ان مفهوم الدولة/ الامة مستمر وفي وضع جيد. بل انه يوجد مزيد من الامم في اوروبا اكثر من ذي قبل. غير انه من المعترف به ان هذه الامم في حاجة الى تجميمع سيادتها وانه يمكن للوطني والدولي التعايش معا. ان المشكلة هي كيفية السيطرة على وتشريع البنيات التي اسست لهذا الغرض. ربما لا يوجد «عوام» اوروبيون ومن غير المرجح، لاسباب تتعلق باللغة والثقافة وجود مثل هذا المفهوم. ولذا اذا اردنا زيادة السيطرة الديمقراطية، علينا العثور على وسائل افضل للربط بين المؤسسات السياسية الوطنية مع المؤسسات «سوبر وطنية». انها المهمة المركزية للسياسات الحديثة.

* مفوض الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي ـ خدمة لوس انجليس تايمز (خاص بـ«الشرق الأوسط»)