العدالة الأميركية ... المستحيلة!

TT

كثيرة هي عناصر الشبه بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ولذلك يبدو موقفهما واحداً من كل ما يجري على سطح الأرض، من دون الالتفاف إلى الرأي العام الدولي، أو إلى العدالة الإنسانية وحقوق الإنسان. فالولايات المتحدة، مثلها مثل إسرائيل، هي مجموعات بشرية نزحت من جميع أنحاء العالم واستوطنت الشواطئ الأمريكية وطردت سكان البلاد الأصليين، ولما حاولوا المقاومة والتمسك بالأرض والتاريخ أمعن المهاجرون فيهم ذبحا وتعذيبا وتدميرا حتى أبادوهم تقريبا، ولم تبق منهم سوى مجموعات قليلة طردت وأبعدت إلى أماكن نائية أو جبلية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كانت مدينة نيويورك، التي تعتبر اليوم أكبر وأغنى مدينة على سطح الأرض، مرفأ ومساكن للصيادين الهنود، وعندما وصلها الأوربيون الأوائل سنة 1524، كانت تعج بالقبائل الهندية. وما زالت جزيرة مانهتن تحمل اسم المانهانيجين الهنود حتى اليوم. وبعد مائة عام على غزو نيويورك وطرد الهنود، أصبحت المدينة أغنى مدن العالم، ولم يبق فيها هندي واحد.

والولايات المتحدة مثلها مثل إسرائيل، اعتبرت نفسها صاحبة البيت واطلقت على الهنود ألقابا كالتي يطلقها الإسرائيليون على الفلسطينيين. وأصبح الهندي مخرباً وقاتلاً، فتصدى له اليانكيز بأحدث الأسلحة المتوفرة في تلك الأيام. وعندما لم يكن ممكنا قتل الهنود بالرصاص، اعتمد الأمريكيون بدعة جديدة هي سلخ جلدة رأس الهندي ووضعها في مكان عال كي يراها الآخرون. ولشدة تأثير هذه الوسيلة الهمجية، اقتبسها الهنود من الرجل الأبيض، فبرعوا بها، لكن التاريخ الأمريكي يزعم أنها بدعة هندية والواقع أنها وسيلة أمريكية لترويع أصحاب البلاد وتهجيرهم. وقد مارس الإسرائيليون ضد الفلسطينيين ما هو أبشع من ذلك بكثير، ففي مذبحة دير ياسين كانت أوامر عصابة شتيرن التي تزعمها مناحيم بيغن في عام 1943 «ألا تتركوا شيئاً يتحرك» فقتلوا النساء والأطفال وحيوانات المزارع وبقروا بطون الحوامل من دون رحمة.

والولايات المتحدة ـ مثلها مثل إسرائيل ـ لا تنظر إلى العالم إلا من فوهة البندقية معتمدة بشكل ساخر على فلسفتها البراغماتية، الواقعية، التي قلبتها إلى مبدأ القوة تصنع الحقيقة.

ففي الحرب العالمية الثانية مثلا شارك الأمريكيون بأعداد ومعدات هائلة غيرت مجرى الحرب، فبعد أن كان النازيون يسيطرون على أوربا كلها، دخل السوبرمان الأمريكي، فكسر النازين، وقعد مكانهم، وأصبح الأوربيون، وما زالوا حتى اليوم، عمالا للنظام الدولي الجديد الذي وضع الامريكيون أساساته، وطريقة العيش في ظله. ولأن اوربا الخارجة من الحرب منهوكة القوى، كانت بحاجة لمشاريع التنمية الامريكية، فقد استغل الامريكيون هذه الحاجة إلى درجة انهم باتوا يشعرون بأن اوربا مثل امريكا اللاتينية، هي صديقتهم الخلفية.

والولايات المتحدة، مثلها مثل إسرائيل، تعلن أنها مع حقوق الإنسان ومع العدالة الدولية، لكن في رواندا واوغندا وصربيا وليست في فلسطين أو ضد طغاء اسرائيل.

ـ تسحب ميلوسوفيتش من غرفته، بشكل أو بآخر إلى لاهاي، وتضعه في السجن، وتشكل لجنة قضاء لمحاكمته، وتسميها لجنة دولية.

ـ وتدمر مستشفى في السودان.

ـ وتدمر عشرات المنازل والأكواخ في أفغانستان.

ـ وتغزو نيكارغوا.

ـ وتنفذ انقلابا عسكريا في غرانادا.

ـ وتقصف طرابلس، ليبيا، وتدمر منزل رئيس الدولة وتقتل إحدى بناته.

ـ وترفض مطلب 150 دولة تتوسل إليها بخفض تسخين المجال الجوي حول الكرة الأرضية حتى لا تحتقن الأرض بالحرارة فتصيب الملايين بالضرر.

ـ وتلغي اتفاقا ملزما مع روسيا يحد من انتاج وتوجيه عابرة القارات والمحملة بأدوات الدمار الكامل، ولا أقول الشامل.

ـ وتعربد وتقفل ما تشاء، وترسل جواسيسها ورجال مخابراتها إلى كل منزل وبيت ومدينة.

ـ وتتجسس على هواتف الناس، وعلى صناعاتهم أو على حياتهم اليومية في جميع انحاء العالم.

ـ تفعل كل هذا وأكثر منه، وتمتنع ـ عن سابق تصور وتصميم ـ عن إدانة الإرهاب الإسرائيلي والعنف الإسرائيلي والبطش الإسرائيلي.

لماذا تفعل أمريكا ذلك معنا ومع اوربا وبقية العالم؟

ـ لأن امريكا قوية فقط لا غير، وكذلك اسرائيل، تفعل وتتمادى في الارهاب لأنها أقوى من العرب، ولأن امريكا حليفتها، ولأن أوربا بالعة سكينا، وكذلك موسكو وبكين.

فالعصر اليوم هو عصر الأقوياء، وينبغي ألا يغرب عن بالنا انه لم يمر عصر على الناس منذ آدم، إلا وكان الحق حليف القوة فقط لا غير.

ولذلك، سوف يكون افضل للعرب ألا يطلبوا الإحسان من امريكا لأنه ليس من إنتاجها، ولا يطلبوا الحق أو العدالة أو الحياد من الأمريكيين لأنهم طرف مع اسرائيل ضدنا وسيبقى هذا وضعهم إلى أن نستطيع إيذاءهم.

فإذا أصيبوا سكتوا على الأقل.

وأما الفلسطينيون، فلن ينفعهم كثيرا ترحيبهم بالمراقبين الدوليين. وعلى كل حال فإن قمة «جنوى» اشترطت موافقة إسرائيل على وجود المراقبين، وهذا يقلل كثيرا من فرحة الاخوة في السلطة الفلسطينية.

واما العرب فلا بد أن يدركوا أن الشعب اليهودي لا يمكن أن يعيش في اسرائيل هو والسلام، فالسلام هو مقتل اسرائيل والحرب فقط هي عنصر دوامها، بل الارهاب نفسه. والا لماذا خرج من بينهم جابوتنسكي الذي يقول في كتابه «الفرقة اليهودية» ان اليهود هم امتداد لأوربا وعليهم ان يحتلوا فلسطين بالقوة لكي يوسعوا رقعة اوربا حتى تصل الى نهر الفرات.

ـ وقبله بسنوات قال هرتزل (1896): ان دولة اليهود يجب أن تشكل في فلسطين جزءا من سور الدفاع عن أوربا.

ـ وفي 1919/2/3 قدم حاييم وايزمن لمؤتمر السلام في باريس مذكرة قرر فيها حدود اليهود التي يريدها فضمنها فلسطين كلها وجنوب لبنان، وجنوب سوريا حتى دمشق، وخليج العقبة ومعظم الأردن.

ـ وبعدما اصدر بلفور اعلانه الشهير، وقال امام الوزارة البريطانية في 1919/8/11: نحن لا نفكر ابدا في التشاور مع سكان فلسطين (الفلسطينيين) ومعرفة رغباتهم.

ـ وفي 1943 أصبح مناحيم بيغن رئيسا لعصابة شتيرن المنشقة عن عصابة ارغون. وكان شتيرن مؤسسها يرفع شعارا هو «البندقية فقط» وبسبب هذا الشعار نفذ بيغن وشامير مذبحة دير ياسين، وانفجار فندق الملك داود.

ـ ومن الليكود، وريثة شتيرن، خرج اكبر ارهابيي العصر: ارييل شارون.

ـ والهاغاناه كانت تحمل الشعار نفسه، ومنها خرج ايفال الون.

ـ ومن البالماخ خرج دايان، وبارليف، واسحق رابين الذي حاول أن يبني سلاما مع الفلسطينيين يأخذ فيه الأرض والاعتراف، ولا يعطيهم سوى (5) في المائة من العشرين في المائة التي ابقوها لهم من فلسطين.