العرب في حوار الصواريخ

TT

تطفح التصرفات الاميركية في عهد ادارة الرئيس بوش بالانانية المفرطة في تعاملها مع الحلفاء والاصدقاء، او مع الخصوم وبقية العالم، وتشبه ادارة الرئيس بوش في تصرفاتها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وجوقته اليمينية... كلاهما يرسم سياسته من ارضية مصلحية ضيقة ويريد فرضها بأسلوب الضغط والقوة... ويمكن ايضاً القول ان القوة المفرطة في التفوق الاقليمي (كما في حالة اسرائيل) والتفوق العالمي، كما هو وضع واشنطن، تقود الى سياسة الغطرسة. في الاسابيع الماضية وحتى الان، اعلنت الادارة في واشنطن تراجعها عن معاهدات دولية وقعت عليها ادارات سابقة، مثل معاهدة بروتوكول كيوتو لحماية البيئة. وتنشط الادارة الى اقناع روسيا والصين بالتراجع عن معاهدة الحد من انتشار الصواريخ من عام اثنين وسبعين وتتصرف عملياً وكأن المعاهدة ألغيت. وتراجعت الادارة عن الاتفاق الاولي ضد انتشار وتصنيع الاسلحة البيولوجية كونها لا تريد للمراقبين الاطلاع على مصانعها ومعاملها البيولوجية... ولا تتوانى الادارة في المقابل عن تهديد مؤتمرات دولية بإقرار ما تريد او منعها من نقاش ما لا تود، كما هو الحال مع مؤتمر مناهضة العنصرية المنظم من الامم المتحدة، اذ تريد ادارة بوش الآن تعهداً بعدم مناقشة الترابط بين العنصرية والصهيونية، ولا تريد مناقشة قضية التعويضات من الدول التي استعبدت السود واستفادت منهم في اقتصادها، كون الولايات المتحدة قامت على اكتاف العبيد الذين لم ينصفوا عملياً حتى الان. في المقابل فهذه الادارة تطنطن لحقوق الانسان المهدورة في الصين، وتؤيد بشدة سياسة التعويض الاوروبي لليهود الذين عملوا بالسخرة في عهد النازية... أي لليهودي ان يسترد حقه من الدول الاوروبية وبدعم اميركي شديد، ويُحرم على الافارقة طرح قضية العبودية والتعويض عنها سواء من دول اوروبية او طبعاً من الولايات المتحدة التي لا تريد الاشتراك في المؤتمر الدولي حتى لا تلتزم بقراراته.

الالتزام بالقرارات بحاجة الى مراجعة، اذ تقول مسؤولة الامن القومي الاميركية ان معاهدة الحد من انتشار الصواريخ الباليستية تحد من حرية تجارب الصواريخ وتمنع التطوير وغير ذلك من الامور التي كانت في الاصل سبباً وغاية للتوقيع على تلك المعاهدة، ولكن الان تريد الادارة الاميركية تطوير برنامج الدرع الفضائي الواقي من الصواريخ وذلك ضد رغبة الحلفاء في اوروبا والشريك الروسي في المعاهدة والصين ايضاً، ولهذا تريد التخلص من المعاهدة او تغييرها بما يتيح لواشنطن حرية استكمال حملة التسلح بعد ان ضعفت روسيا اقتصاديا ولم يعد بامكانها العودة لسياسة التسلح المضاد او الاستفادة من الغاء او تغيير المعاهدة. لقد اصبح من الدارج والطبيعي عدم احترام المعاهدات الموقعة في اللحظة التي تتعارض فيها هذه المعاهدات مع المصلحة الاميركية الانانية سواء في عالم التجارة والمال، او البيئة، او التسلح الاستراتيجي، او حقوق الانسان... الذي يقبل بهذا الاسلوب لا يمكنه طبعاً انتقاد الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة التي رفضت تطبيق معاهدات وقعتها حكومات سبقت، بل احياناً وقعتها ذات الحكومة الاسرائيلية. هذه ظاهرة غير جديدة على المستوى الدولي واشبه بتصرفات زعران الحارات، وتنسف اسس التعامل بين الامم وتلغي مبادئ الامم المتحدة وتصيب في الصميم الطباع الانسانية التي احترمت المعاهدات وايدت الحق ضد القوة الباطشة، كما ان هذا النهج قصير النظر ادى دوماً الى الحروب، لأن موازين القوى التي تشجع على المخالفات، هي موازين غير ثابتة بطبعها. التصرفات والمخالفات لادارة بوش في مجالات المال والتجارة والبيئة والتسلح غير موجهة الى الدول العربية بقدر ما هي موجهة ضد الدول الغربية الحليفة لها، وضد روسيا والصين المدججتين بالقنابل النووية والصواريخ الناقلة لها... مع كل مخالفة وتراجع تقول الادارة انها تخدم المصلحة الاميركية اولاً، لكن في حالة الرغبة الاميركية لتغيير معاهدة الحد من انتشار الصواريخ وفتح المجال امام تطوير الدرع الفضائي، تلجأ الادارة الى تبرير طفولي ساذج، تستخدم بعض العرب وايران وقضية الصراع العربي الاسرائيلي لتمريره، اذ تحاول اقناع الدول الصناعية بوجود خطر ممن تسميهم الدول المارقة او المشاغبة كون بعضها تملك صواريخ وربما تحصل قريباً على اسحلة بيولوجية او كيميائية وربما نووية تضرب بها الدول الغربية، لان هذه الدول المشاغبة لا تخاف من اسلوب الردع الحالي بأنها سوف تتلقى الضرب المميت اذا اطلقت صاروخاً ضد دولة اقوى منها! هذا الطرح الساذج يستخف بعقول المعنيين، لان النظام المشاغب اليوم لن يبقى للابد، والمشاغبة نابعة عمداً من السياسة الاميركية تجاه تلك الدول لان واشنطن تريد خصوماً على الدوام لتبرير سياسات كثيرة، منها التسلح. كما ان الامر لا يستحق انفاق مائة مليار دولار على برنامج تسلح تحسباً من نظام مشاغب لديه بضعة صواريخ برؤوس حربية تقليدية محدودة الفعالية وغير قادرة اصلاً على الوصول الى الاراضي الاميركية، كما ان النظام المشاغب اذا امتلك سلاحاً فتاكاً يمكنه ايصاله الى هدفه بدون صواريخ... المنطقي اذاً ان لا تنفق الاموال على نظام فضائي بل تحل الخلافات المحتملة عبر الحوار... هذا على الاقل ما تفكر فيه بكين وموسكو اللتان تشعران بأن درع الفضاء يهدف الى تحييد الصواريخ الروسية والصينية وتأمين الاراضي الاميركية من أي انتقام صاروخي كمقدمة لفرض السياسة الاميركية عبر العالم بالقوة او التهديد بالقوة. وتبدو ملامح سياسة الهيمنة جلية منذ زمن وتتضح يومياً في كل المجالات. كعرب يقفز الى اذهاننا فوراً الربط بين الصواريخ العربية وبين تطوير نظام دفاعي اميركي مضاد للصواريخ سوف تستفيد منه اسرائيل بالطبع. الصواريخ العربية متواضعة في النوع والعدد، وهي بالطبع قابلة للتطوير والتطور، ولكنها في احسن الحالات قادرة على الوصول الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، او العمل داخل المنطقة من الدول ضد جيرانها، وكل الصواريخ العربية (وايران) لا تملك الرؤوس النووية مثل اسرائيل... وفي احسن حالات توجد دولتان او ثلاث قادرة على تحميل صواريخها رؤوساً كيميائية او بيولوجية ولكنها حتماً لن تستعمل هذا السلاح الا في حالة الدفاع الاخير عن النفس ضد اسرائيل التي تملك اسلحة نووية وكيميائية وجرثومية، وتنشط في علوم الجينات البشرية لتطوير امراض تصيب العرب ولا تصيب اليهود... كان لدى العراق سلاحاً كيميائياً ولم يستعمله ضد اسرائيل، ولدى سورية كمية جيدة من الصواريخ والرؤوس الكيميائية وربما البيولوجية ولكنها لم تستعملها، ولا يبدو انها سوف تستعملها الا لرد عدوان اسرائيلي يهدد البلاد او النظام. على الطرف الآخر فإن اسرائيل لديها انظمة دفاعية مضادة للصواريخ طورت بدعم اميركي، ولديها نظام حماية ودفاع مدني يضمن اقامة الملاجئ وتوزيع الملابس والاقنعة الواقية على كل فرد اسرائيلي، وهذا يعطل قدرات التأثير لأي سلاح غير تقليدي قد يخترق الدفاعات، وبالتالي لن يلجأ العرب لذلك السلاح إلا للدفاع قبيل لحظات الانهيار. من الواضح هكذا ان منطقة الشرق الاوسط ستبقى هادئة استراتيجياً طالماً كفت اسرائيل شرها عن الجيران وعن الفلسطينيين... لكن السياسة الاسرائيلية نهجها الهيمنة والتوسع، وترى في الصواريخ العربية وتحديداً السورية، رادعاً سيخف تأثيره كلما تطورت القدرات على صيد الصواريخ قبل او فور انطلاقها. هكذا تفرك اسرائيل يديها فرحاً من تصميم ادارة بوش على اقامة الدرع الفضائي، اذ ستنالها عصارته وسيوفر لها الحماية كونه سيوجه ايضاً ضد الدول القريبة منها والتي اختارتها واشنطن كخصم يتم تضخيمه وهمياً. البرنامج الاميركي لن ينصب في الفضاء فقط، بل له عناصر اخرى مكملة محمولة جواً في طائرات جمبو، وصواريخ ارض ـ جو مضادة للصواريخ مثل نظام «باتريوت» الاميركي، ومثل نظام «السهم» الاسرائيلي ـ الاميركي المشترك. ويمكننا الجزم الان ان اسرائيل سوف تشارك في تصنيع وتطوير وتجربة عناصر عديدة من النظام الاميركي الدفاعي الفضائي، وبالتالي ستطولها الفائدة والحماية مما سيشعرها بالأمان ويشجعها على مواصلة سياسة التوسع غير عابئة حينذاك بامكانية الرد الصاروخي العربي.

التعاون الاسرائيلي ـ الاميركي في قضية الصواريخ والاسلحة غير التقليدية يمكن مشاهدته منذ سنوات في سياسة الضغط الاميركي لمنع الدول العربية او ايران من تطوير علومها النووية او الاقتراب من احتمالات صناعة قنبلة نووية. كذلك تسعى واشنطن الى منع وصول تقنية صناعة الصواريخ الى باكستان وايران وسورية، ولذلك تربط واشنطن في سياستها مع الدول المصنعة للصواريخ وتحديداً الصين وكوريا الشمالية وروسيا، بين تحسين العلاقات السياسية والمالية مع الولايات المتحدة ووقف مبيعات الصواريخ وتقنيات صناعتها لدول الشرق الاوسط العربية والاسلامية. ضمن هذا النهج الاميركي الاناني عبر العالم، والاستفادة الاسرائيلية منه، لا يمكننا الاستمرار في الظن بأن الزمن يعمل لصالح العرب، فمصلحة العرب في تنمية قدراتهم الرادعة والتحكم في تحديد موعد ونوع الضربة الواقية، وبدون ذلك ستقع المنطقة كلها تحت الهيمنة الاسرائيلية.