التحريفيون ولعبة اللوم في فشل كامب ديفيد

TT

توصل المفاوضون للعملية التي ادت الى حرب ارهابية ضد اسرائيل، الى اجماع، بطريقة مستقلة، حول كيفية حماية ظهورهم. فالجميع يتحملون مسؤولية فشل كامب ديفيد. لا يمكن تحميل شخص واحد المسؤولية. هذه عناوين صحيفة «نيويورك تايمز» تقول «العديد يتفقون الان على ان الجميع مسؤولون، وليس عرفات وحده هو المسؤول».

وباعتباري الشخصية المعارضة في هذه الصحيفة ارجو اعتباري من بين العديدين الذين لا يتفقون على ان مسؤولية العداء الحالي يمكن تقسيمها.

لقد دفعت رغبة ايهود باراك في التوصل الى سلام نهائي الى تقديم تنازلات ابعد بكثير مما كان من الممكن ان يقبله شعب اسرائيل. كما انه من المؤكد ان ثقة بيل كلينتون في قدراته الاقناعية، بالاضافة الى رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، دفعته الى التدخل بطريقة متشددة.

غير انه من السخف قبول تلك الفكرة العربية القائلة ان محادثات كامب ديفيد انهارت لان باراك اهان ياسر عرفات بتركيز اهتمامه على تشلسي كلينتون في حفل العشاء، او ان كلينتون شعر بالقلق من مساعدي عرفات الطامحين.

ان السبب الغالب للحرب ضد اسرائيل اليوم هو ان عرفات قرر ان الحرب هي وسيلة تطبيق الخطة الفلسطينية المعلنة. والمرحلة الاولى من هذه الخطة هي خلق دولة تمتد من نهر الاردن الى البحر، وعاصمتها القدس. ثم بإغراق اسرائيل بفلسطينيين عائدين، والمرحلة الاخيرة لهذه الخطة هي دفع اليهود المكروهين الى خارج الشرق الاوسط. الا ان حكمي المتشكك بسيط للغاية طبقا للخط البسيط الذي يقدمه المفاوضون الاميركيون ومساعدو باراك وعرفات السعيد بالحصار. فمن مصلحتهم تفسير الرفض العربي لعرض باراك الكريم للغاية في كامب ديفيد كمجرد عدم فهم نفسية كل منهما للاخر، بالاضافة الى ضغوط الانتخابات الديمقراطية.

وطبقا للتعادلية الثلاثية فإن السبب الاساسي لفشل مهمة كامب ديفيد في شهر يوليو من العام الماضي هو زيارة ارييل شارون للحرم، وهي نقطة حساسة، لان زيارة شارون لم تقع الا في اواخر شهر سبتمبر.

والواقع ان هذه الطريقة هي التي يتحايل بها انصار لعبة إلقاء المسؤولية البسيطة على مشاكل التوقيت. ان عملية اوسلو لم تنهر في كامب ديفيد على الاطلاق، كما يؤكد التحريفيون. وعلى العكس من تقارير الصحف في ذلك الوقت فإن باراك لم يقدم «القمر» لعرفات، بل قدم 93 في المائة فقط من الضفة الغربية، بما في ذلك وادي الاردن الاستراتيجي، ودولة عاصمتها القدس الشرقية وربما كان ذلك مخاطرة امنية اكبر مما يمكن للرأي العام الاسرائيلي قبولها، ولكنه اقل من «القمر» الذي توقعه عرفات.

ولم يقدم باراك «القمر» الا بعد اجتماع في شهر يناير الماضي في فندق هيلتون طابا ترأسه المعتدل «السوبر» يوسي بلين مع تصعيد الهجمات الارهابية العربية: 97 في المائة من الضفة الغربية، حقوق جوية ستؤدي في النهاية الى حرمان الطائرات الاسرائيلية من المجال الجوي الفلسطيني، ودفع الولايات المتحدة تعويضات للفلسطينيين الذين يوافقون على عدم الهجرة لاسرائيل.

الا ان ذلك اتى متأخرا، بعدما اسقط الناخبون الاسرائيليون باراك في ما يعتبر واحدة من اكثر النتائج الساحقة للانتخابات في التاريخ.

وفي الشهور التالية، عندما يبدأ باراك والسفير الاميركي في اسرائيل مارتن انديك، وكبار المفاوضين الفلسطينيين في بيع كتبهم، سنتعرض لسيل من عبارات تحريفية «لو كان من الممكن»، «لو قدم باراك «القمر» بأكمله في كامب ديفيد»، اذا اجبر كلينتون باراك على وقف جميع عمليات البناء الجديدة داخل المستوطنات»، «لو جعل باراك شارون اول شخص تمنعه اسرائيل من دخول جبل المعبد»، «لو فهم الاسرائيليون الاغبياء الاحباط الكامن وراء العمليات الانتحارية، واعادوا انتخاب باراك»، «لو امكن انتخاب الرئيس كلينتون لفترة ثالثة»..! يجب ان لا نقع في فخ تكهنات اعادة كتابة الاحداث الاخيرة. فمن خلال القول بإمكانية تحقيق السلام عن طريق شخص يتبنى التنازلات المتطرفة التي قدمها باراك، فإن التحريفيين يقدمون رسالة غير مقصودة: الفلسطينيون استمروا في النضال. والعنف سيرهق الارادة الاسرائيلية وسيشع القمر مرة اخرى.

ان مثل هذه الوعود الخاوية هي دعوة الى عنف لا يتوقف. ان اللوم ليس لعبة. ان تجنب اصدار الاحكام او تخفيف الرفض لن يتم عن طريق توجيه اصبع الاتهام في كل مكان. كما ان الحكمة التقليدية ليست دائما غير حكيمة. ان الزعيم الذي يتحمل اللوم على حملة القتل كان ولا يزال ياسر عرفات.

* كاتب اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»