1948... من جديد

TT

نادرا ما يعيد التاريخ نفسه. مع ذلك توحي التطورات الاخيرة على الساحة الفلسطينية ان ما يحدث على صعيد المواجهة العسكرية مع الاسرائيليين اليوم هو تكملة «مطوّرة» لمواجهات عامي 1947 و1948 «مطوّرة» على اعتبار ان ما كانت تنفذه عصابات صهيونية حزبية من مجازر آنذاك تكمله اليوم «عصابة» رسمية واحدة يرأسها آرييل شارون حولت الخطف والاغتيال والقصف العشوائي الى ممارسات رسمية تتبجح بها حكومة «كل اسرائىل». الا ان السؤال الواجب طرحه هو: هل تنتهي المقارنة بين احداث العام 2001 والعام 1948 عند هذا الحد فحسب؟

باستثناء التهجير القسري للسكان، وقد يكون هدفا اسرائيليا لم تحن ظروفه بعد إذا أخذت التقارير الاخيرة عن «الخطر الديمغرافي » الفلسطيني على الدولة اليهودية بالجدية المطلوبة، وباستثناء المشاركة العسكرية العربية المباشرة في المواجهات الراهنة في الارض المحتلة، لا يبدو الفارق كبيرا بين الوضعين... ولكن، رغم غياب التدخل العربي المباشر في المواجهات الراهنة، يبدو البعد الاقليمي لهذه المواجهات اعمق أثرا على العالم العربي مما كان عليه عام 1948، فنتائج المواجهة الراهنة تتخطى العلاقة الفلسطينية ـ الاسرائيلية الضيقة الى مستقبل ميزان القوى بين العرب واسرائيل. عام 1948 انتهت المواجهة العربية ـ الاسرائيلية بهزيمة عسكرية عربية محدودة اتاحت للانظمة القائمة آنذاك هامشا ـ وان ضيقا ـ لحفظ «ماء الوجه » عززته بوعود « رومانسية » باستعادة الارض المحتلة.

اما المواجهة الراهنة، فرغم انها محصورة ميدانيا، بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي،فهي في نهاية المطاف اختبار قوة ونفوذ بين العالم العربي ككل والكيان اليهودي في فلسطين، واختبار اثبات وجود على خريطة الشرق الاوسط، مما يعني ان اي فوز تسجله اسرائيل في مواجهتها «الداخلية» مع الفلسطينيين ستكون أولى انعكاساته الخارجية تكريس «الهيمنة » الاسرائيلية على الشرق الاوسط، وربما عبره على العالم الاسلامي الاوسع.

قد لا يكون من المبالغة في شيء القول ان «التردد» الاميركي في تطبيق طروحات لجنة ميتشل لتسوية النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وامتناع واشنطن عن اتخاذ موقف حازم من الممارسات الاسرائيلية الدموية ضد الفلسطينيين حتى الان... موقف غير معلن يأخذ في الاعتبار البعدين المستقبلي والاقليمي لأي عملية «احتواء » للنفوذ الاسرائيلي في المنطقة ـ والاصح الجموح الاسرائيلي.

وقد يكون تبرير نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، لعمليات الاغتيال الاسرائيلية للقياديين الفلسطينيين (في تصريحه أمس الى شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية) وادراجها في خانة «حماية النفس»، الوجه الاخر لهذه النظرة الاميركية المستقبلية الى الشرق الاوسط.

باختصار، المواجهة الميدانية اليوم هي مواجهة فلسطينية ـ اسرائيلية. أما المواجهة السياسية فلا يختلف اثنان على كونها مواجهة عربية ـ اسرائيلية غير ظاهرة من شأنها إعادة صياغة موازين القوى في الشرق الاوسط.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق قد يكون: ماذا اعد العرب لتدارك هزيمة سياسية، ان حصلت ـ لا سمح الله ـ ستكون اشد وقعا على مستقبلهم من هزيمة عام 1948 العسكرية ؟