الخلاف مع واشنطن

TT

مخطئ من يحاول تبسيط العلاقات حتى بين اكثر الدول صفاء، لأن من طبائع العلاقات ان تتقاطع فتتنافر في قضايا مثلما تتفق في قضايا اكثر. لهذا لم يكن غريبا ان يختلف المصريون مع واشنطن لأنها تريد اختصار الحضور على الجانب الفلسطيني مع إبعاد غيره، مثل المصريين، عن دائرة الحديث والتشاور. لهذا سماها الجانب المصري اختطافا اميركيا لابو عمار، ويمكن ان نسميها ايضا قبولا من ابو عمار بالانفراد الاميركي. كلها صحيحة. والعلاقة بين واشنطن والقاهرة في حال توتر لم تبلغ مثله منذ فترة المفاوضات المقبورة، والسبب بطبيعة الحال ما يقوم به ارييل شارون في الاراضي المحتلة الذي دفع العالم العربي كله للغليان من مشاهد المجازر اليومية.

وواشنطن مشكلتها في اسلوبها، تريد حل الاشكالات الصعبة من خلال جلسات مختصرة، فتسر في مجالسها الرسمية بانها غاضبة من تل ابيب لكنها عند الصباح تخشى من التورط فتلوذ بالصمت الا من عبارات انتقاد منتقاة. وابتداعا للحل سعت الى الضغط على عرفات من اجل اقناعه بعدم اعطاء شارون مبررات انتقامية رغم انها تعرف ان السلطة الفلسطينية لا تسيطر فعليا على حركة ردود الفعل الانتقامية، ومع كل عمل عسكري اسرائيلي كبير صارت تضعف سلطات ابو عمار ورفاقه على الشارع الغاضب الذي يدير ظهره لسلطته الوطنية راضيا ان يقاد من قبل التيارات المتطرفة التي هي راغبة في المواجهة.

المصريون وبقية العرب يحسبون المشكلة الفلسطينية حسابا داخليا ايضا. فالشوارع العربية مفتوحة على بعضها البعض وكلها ملتهبة في اخطر ما مر على المنطقة شعبيا منذ حصار بيروت بل اكثر. فتلك الاحداث التي مر عليها عشرون عاما كانت كبيرة لكن وسائل النقل والاتصال كانت اقل كثيرا من اليوم، حيث عمت الاحياء الفقيرة والغنية معا. فالاستشهادي قد يكون فردا واحدا لكن عمله يصبح مثل عمل جيش كامل بفعل وسائل النقل التي اصبحت بالمئات ووسائل الاستقبال بعشرات الملايين.

اذا كان الوضع الفلسطيني يؤثر تأثيرا مباشرا في الوضع الداخلي للدولة، مثل مصر، فانه يصبح قضية داخلية ايضا، تصبح غزة مثل الصعيد ما يصيبه يصيب القاهرة. فالمواطن العربي لا يستطيع ان يدرك حقائق توازن القوى مع اسرائيل وان الاندفاع في أي شكل من اشكال المواجهة ستكون نتيجته عسكريا لصالح اسرائيل. اذاً ما المطلوب عمله؟ ان احدا لا يملك حلا عمليا يؤدي الى ايقاف شارون عند حده. هذا الوضع المتأزم الذي لا تفهمه الحكومة الاميركية، كونها لا ترى نارا مشتعلة بعد، يجعلها تريد الاكتفاء بحلول اخذ الملاحظات والتسويف الدبلوماسي على ان تطفأ النار مع الوقت. هنا السكوت في نظر عامة الناس تخاذل، واحيانا يصفه المتطرفون بانه تواطؤ. فكيف لأي نظام عربي معالجة هذه الحالة التي تتزايد تدهورا؟

هذا ما يجعل الخلاف العربي ـ الاميركي، ومثاله اليوم الخلاف المصري ـ الاميركي، مثل حديث الطرشان حيث ان لا احد يستمع الى الطرف الآخر.