الحلاق والجمهور

TT

لا يوجد في هذه الايام شيء اسمه صالون حلاقة او رجل مهنته «حلاق» في المدن العصرية الكبرى. يسمونه الآن مصمم شعر او مرتب شعر. وهذا شيء كان على منتجي الموسيقى ان ينتبهوا اليه في تسويق اوبرا روسيني «حلاق اشبيليا» عليهم ان يغيروا اسمها الى «مصمم شعر اشبيليا» ولكن لا فائدة من ذلك. فما ان يفعلوا ويغيروا اسم الاوبرا، حتى يغير الحلاقون اسمهم مرة اخرى. فأنا لا ادري في الواقع ماذا يسمون انفسهم الآن. فقد كانت آخر زيارة لي لصالون تصميم الشعر قبل عدة سنوات. ذهبت الى احد هذه الصالونات فأوصد الحلاق الباب في وجهي وصرفني. قلت له ياسيدي اريد ان تحلق شعري، فقال: اسف نحن هنا لا نحلق شعرا وانما نحن نصمم. قلت له: طيب. على بركة الله، صمم شعري. قال: اسف لا يوجد على رأسك من الشعر ما يستحق تصميمه. قلت: حسنا، اذن فصمم صلعتي. قال: ما عندنا هنا مصمم صلعات. انتهى الامر. لم اذهب بعد ذلك الى اي صالون حلاقة. اشتريت مقصا جيدا سلمته لام نايل وراحت هي تتولى المسؤولية وهذا هو السر في هذه الجدائل الطويلة من الشعر التي تحيط بصلعتي. فهي حلاقة نسائية. عن قريب وبإذن الله سأشدها واضفرها واعمل منها ضفيرتين طويلتين تتدليان على ظهري.

هذه المقالة حلقة اخرى من مسلسل الحرب بين الحلاقين والادباء. فالحلاقون لا يحبون الادباء لانهم يتركون شعرهم طليقا ولا يأتون لحلاقته ويدفعون ريالا او ريالين للحلاق. والادباء لا يحبون الحلاقين لانهم يهذون كثيرا وينافسونهم في مهنة الهذيان التي يعتبرها الادباء وقفا عليهم كما افعل انا الآن.

ومن هذا المنطلق راح الادباء الساخرون يصيغون شتى النكات والتقليعات على الحلاقين، وهي كثيرة. منها ذلك الرجل الذي ذهب الى الحلاق يوسف اللمبجي في الكرنتينة في بغداد ليحلق له شعره.

ما ان بدأ باستعمال الموسى، او الشفرة حتى جرحه فوق اذنه، اسرع فوضع قطعة قطن على الجرح. بعد ثوان قليلة جرحه في صدغه فوضع قطنة اخرى على مكان القطع. وتكرر ذلك حتى امتلأ الجانب الايمن من رأسه بقطع القطن. فانتفض الزبون من الكرسي، رمى الصدرية على الارض وراح يعدو خارجا من الدكان. نادى عليه ابو يعقوب، وين استاذ؟ بعد ما خلصت! اجابه الرجل: شكرا. زرعت لي هالجانب قطن، اروح لمكان آخر ازرع الجانب الثاني حنطة.

هذا ما كان من امر الموسى. اما المقص فله حكاياته الملحمية. فيما كان الاوسطة يوسف يقوم بعمله، شعر بمغص شديد في معدته فسلم الزبون لمساعده الصانع ليتمم العمل. اخذ هذا المقص وراح يظهر مهارته واتقانه للحرفة بطقطقة المقص المألوفة في صالونات الحلاقة. يضج الصالون بطقطقة المقص المزعج دون قص اي شعر. بالغ الصانع الشاب بذلك، حتى اخذ الزبون يتضايق من هذه الضوضاء العقيمة وهو يرى ان الحلاق المتدرب لم يقص شيئا من شعره، فمسك يده واخذ المقص منه وقال له: «ابني خليني آني اطقطق لك بالمقص، وانت شوف شغلك بمقص ثاني تقص به شعري!».