قلبي معك يا عمر

TT

تأتي الفتيات الى عمر الشريف، ولا يصرخن نحبك بل يقلن: امهاتنا يحببنك. وهذا طبيعي في مثل ظروفه كما قال لكاثرين هوستلر الخبيثة التي حاورته لصحيفة «ديلي ميل» وخرجت بانطباع انه يستحق الشفقة فهو يعيش وحيدا في غرفة بفندق باريسي، وقد ماتت امه كلير شلهوب، التي كانت تشتري له ثيابه، وعلاقته باحفاده محدودة، اما فاتن حمامة فقد قال عنها ما يقوله في كل مرة وهي انها الحب الاكبر والوحيد في حياته.

وقبل ان تسأله: لماذا يا عمر؟، وقد كنت محاطا بفاتنات العالم انجريد بيرجمان وآفا جاردنر وبربارة سترايسند وجولي كريستي يبادر الممثل العربي الوحيد، الذي شق طريقه الى العالمية، الى التفسير المقبول نسبيا فالنساء يذهبن ويجئن، وهن كثيرات دائما لكن النوعية التي يفكر الرجل بالاستقرار معها محدودة وقليلة العدد ومن هذه القلة فاتن حمامة التي لم يمنعه حبها عن القول في المقابلة ذاتها (3/7/2001) انه شعر بارتياح كبير بعد ان تزوجت غيره لانه خاف ان تكبر ولا تجد بجانبها احدا، ووضعت الصحافية الخبيثة معترضتين لتقول ان الاجدر ان يشعر بالشعور ذاته نحو نفسه فها هو على مشارف السبعين وليس بقربه احد.

وكان عمر الشريف قد احتفل الشهر الماضي بعيد ميلاده التاسع والستين، وظل يتحدث بالطريقة ذاتها فهو يكره صحبة الرجال، ويحس بالارتياح لصحبة النساء ـ ومن ذا الذي لا يرتاح لصحبتهن ـ وله مع كل نجمة وقف امامها قصة يحيطها بالغموض ويترك الباقي لمخيلة القارئ، فانجريد بيرجمان كان يذهب بصحبتها لسباق الكلاب غرب لندن، وآفا جاردنر كانت دائما غائبة عن الوعي من تأثير الشراب وتشتمه لانه كان يحاول ابعادها عن الحانات، اما بربارة سترايسند التي مثلت امامه بطولة فيلم «فتاة مضحكة» فقصتهما مضحكة وتراجيدية وتاريخية ايضا فقد كان وهو المصري يصور ذلك الفيلم امام المغنية اليهودية خلال حرب الايام الستة عام 1967 الذي عرف لاحقا باسم الدلع «عام النكسة».

ومن نكسة الى اخرى كبر عمر الشريف، وقلت الادوار، وشحت ثم جفت فلكل زمان افلام ورجال وهكذا لم يعد يعمل في هوليوود انما ظلت له صورته الرومانسية كعاشق شرقي وظل كما كان في فيلم الدكتور زيفاكو موزعا بين امرأة شرعية يحبها ونساء عابرات لا يخلفن غير الصداع والأرق.

وقد كان المفروض ان تنعش العودة المصرية روح عمر الشريف، فقد عاد بزخم الى الوطن الأم وانجز في البداية افلامه الهامة «أيوب» ومواطن مصري وتألق في «الاراجوز» امام ميرفت امين ثم انحسرت الاضواء مرة اخرى. فمشكلة السينما المصرية ليست بالابطال والنجوم فهم كثر ويملأون المقاهي والفنادق، لكن عمر الشريف بعد هذا العمر لا يمكن ان ينافس محمد هنيدي ـ مثلا ـ فهذا قصة أخرى لزمن آخر ومشاهدين آخرين.

وفي مثل هذه الاجواء لا يبقى عند عمر الشريف غير الذكريات، وغير حديثه المفضل عن النساء الجميلات فهو حديث محبوب عند جميع الشعوب، وعمر يعرف ان البنت التي تأتي لتقول له: امي تحبك تذكره بعجلات قطار الزمن لكن هذا لا يزعجه، فمن الجميل ان يكون الانسان محبوبا عند مجايليه وكلمة الحب نفسها وصفة تؤازر وتواسي.

لقد تألق عمر الشريف شابا في «صراع في الوادي» وأخذ من الشاشة العربية سيدتها ثم ذهب الى الشاشة العالمية التي لها مائة سيدة لا يستطيع ان يأخذهن جميعا، وهكذا لم يعد يملك غير ان يحب كل من تقف امامه وهو على دراية تامة بان أية قصة عاطفية مهما كانت عابرة تحتاج الى جهد واتقان تماما كالمشهد السينمائي الذي لا يصبح فيلما إلا بعد اضافة مشاهد أخرى، وعمليات مونتاج معقدة، ولكن هل حياة الانسان فيلم..؟ قلبي معك ان كان الامر كذلك يا عمر.

لقد قال شكسبير ذات يوم في مسرحية «كما تحبها» ان الحياة مسرح كبير والناس يدخلون ويخرجون ويؤدي الواحد منهم اكثر من دور في مسرحية الحياة، فما هي يا ترى الادوار المفضلة في فيلم عمر الشريف الانسان...؟

المؤكد ان حبه لفاتن حمامة احب ادواره إليه، فهذه قصة يكررها دائما للصحافة العربية والاجنبية وبعدها يأتي دور طارق ثمرة ذلك الزواج وهو في اربعينياته وقد طلق مرتين وتزوج ثالثة يعني انه ليس كأبيه يخاف من الاستقرار آخر العمر مع امرأة واحدة حتى لا يقتله الضجر.

ان مأساة عمر الشريف ليست سهلة فهو وعلى وحدته الظاهرة لم يعد يمارس لعبته المفضلة البريدج والاصدقاء في مثل هذا السن لا وجود لهم فكل صديق يختار طريقه ويمضي ومن يظل على قيد الحياة منهم لا يلتقي بأصدقاء العمر الجميل، إلا في مناسبات عابرة، وهكذا لا يظل غير الفيديو والسينما لكن عمر الشريف هذه المرة ليس على الشاشة انما على مقاعد المتفرجين..

قلبي معك يا عمر.