جزر البهار والطيب

TT

ذهب الصحافي الاميركي جون سيبروك في رحلة الى اندونيسيا بحثاً عن «جزر البهار» في ارخبيل باندا. ومن الجزر السبع اراد بالتحديد «بولاو ران» التي باعها البريطانيون للهولنديين العام 1667 مقابل «نيو امستردام» التي هي الآن، مانهاتن. فقد كانت هذه مليئة بشجر «جوز الطيب». وجوز الطيب كان لسنوات طويلة اغلى سلعة في العالم بعد الفضة والذهب. وبسببه قامت حروب ومعارك. فقد كانت الاقة تشرى في الجزر ببنس واحد وتباع في اسواق لندن بـ 2.10 جنيه. وليس عبثا انه بعد الوفرة النفطية الكبرى في السبعينات اتجه عدد كبير من المستثمرين العرب الجدد الى غابات اندونيسيا وماليزيا، كل يبحث عن شجرته، من المطاط الى جوز الطيب. ولا ادري ماذا حدث بعد ذلك. ولا اعرف ان كان اصحابنا قد ذهبوا بدافع الخبرة ام بدافع الرومانسية والشعر المحفوظ:

يا ليت كنت فراشة/ خضراء من لون الغصون فألف نفسي بالطيوب/ ولا أبين لمستبين وكانت اهمية جوز الطيب ان به «يلف» الطعام من اجل الحفظ، وبه يحلى كذلك. وعندما صنع مركب، او مخلوط، الكوكا كولا، جعل الطيب جزءاً كبيراً منه. غير ان جزر الباندا فقدت حق الاحتكار عندما احتلها البريطانيون لأربعة عشر عاماً العام 1778 ونقلوا بذورها الى غرينادا في الكاريبي. وهي الجزيرة التي اشتهرت بأن رونالد ريغان امر بنزول المارينز عليها على اثر خروجهم من بيروت بعد الانفجار الكبير عام .1983 وتشبه شجرة جوز الطيب الانسان في حركة الاخصاب: تسعة اشهر من انعقاد الزهر الى نضوج الثمر. وهي تنقسم الى ذكر وأنثى.

وتصل الانثى سن «البلوغ» قبل الذكر، غير ان بعض هذا الشجر يعيش اطول بكثير من معمري القوقاز، وتزيد اعماره احياناً على 250 عاماً. واذا تمشيت قليلاً على رصيف الميناء في دبي، تناهت اليك من المراكب العتيقة الماخرة، روائح الطيب والبهارات، كأنك في الزمن القديم. وكانت القوافل في العصور الماضية تحمل الافاوية الى موانئ الخليج ومنها تعود القوافل فتنقلها مجدداً الى بلدان المشرق وحوض المتوسط الى البندقية. وسواء كانت الطرق برية ام بحرية، فانها حملت الثروات الى اوروبا. ويومها كان الاستعمار الهولندي او الانكليزي او البرتغالي او الاسباني، يتاجر بالحرير والافاوية، قبل ان يصبح السلاح هو اهم تجارة في العالم. اما الآن فحتى السلاح خسر مكانته امام الاقتصاد غير الشرعي الذي يقوم في العالم، وتقدر لائحة شبه رسمية ان غسل الاموال القذرة بلغ الف مليار دولار في العام 2000، الفساد 600، تجارة المخدرات 2500، التزوير المالي 2400، تزوير العملة 2502 في حين لا يشكل تهريب السلاح اكثر من 0.900 وتتوقع دراسة وضعت بناء لطلب بيل كلينتون قبل انتهاء ولايته، ظهور «دول مجرمة» قبل العام 2010، لا تكون لها مهمة سوى دعم المجرمين والتعامل معهم. وتسمي الدراسة الدول التي تشكل «السوق الاجرامية» الكبرى في العالم كالآتي: ايطاليا، اسبانيا، هولندا، المانيا، (في اوروبا) روسيا، رومانيا، بلغاريا، البانيا، اوكرانيا، مولدافيا، اليونان (في اوروبا الشرقية) تركيا، افغانستان، باكستان، اسرائيل، قبرص، (في الشرق الاوسط) الولايات المتحدة، كولومبيا، المكسيك، البيرو، بوليفيا، باناما، والكاريبي (في الاميركيتين). وتمتد اللائحة طبعاً الى آسيا وافريقيا. فلا قارة تخلو من الشر الا اذا خلت من البشر، والشر مثل الغيث، اوله قطر. وكل دولة تغاضت في البداية عن اقتصادات الشر، اكتشفت بعد حين انها اصبحت تحت رحمته. واكبر واوضح مثال في العالم هو اميركا نفسها، حيث بدأت المافيا الايطالية عملها بصفة رجال من صقلية، والآن هناك (رسميا) 21 الفاً وفي موسكو وحدها 50 الفاً. وكل مافيا في العالم لها اختصاصها: الباكستانيون للافيون الافغاني، الخمير الحمر للاحجار الكريمة الى آخره. الى آخر العالم.