حكايات أهل السياسة

TT

احتفلت الملكة الأم في بريطانيا قبل ايام قليلة بيوم ميلادها الواحد بعد المائة. وقد اذهلت الجميع بنشاطها وحيويتها، لا سيما انها كانت مريضة قبل يومين ودخلت المستشفى. ولكنها في يوم ميلادها ذهبت لاستعراض الجيش، ثم مقابلة الجمهور وحضور حفلة غداء ثم السفر الى الريف لحفلة عشاء والعودة الى لندن لمشاهدة الباليه في دار الاوبرا الملكية. ولم تأو الى الفراش قبل منتصف الليل. وهو نشاط يعجز عنه اكثرنا.

وكل ذلك رغم توسل ابنتها الملكة في ان تخفف من نشاطها. قالت الملكة ان امها لا تسمع كلامها. وهو شيء جميل فالمعتاد لامثالنا ان نقول ان اولادنا لا يسمعون كلامنا. غير انهم في قصر بكنغهام تتذمر البنت من ان امها لا تسمع كلامها. الملكة الأم امرأة على درجة عالية من الشجاعة والاقدام. ففي ايام الحرب العالمية الثانية، لم تتردد في إلحاق ابنتيها، الواحدة منهما ولية عهد، في فرق الاطفاء اثناء القصف النازي للندن. باحتدام هذا القصف بدأت الحكومة والجمهور بالتخوف على سلامة الاسرة المالكة. فذهب ونستن تشرشل، رئيس الحكومة الى قصر بكنغهام للاقتراح على الملك والملكة بمغادرة لندن الى مكان اكثر سلامة وامنا. طرحت حتى كندا وهي جزء من الامبراطورية، كملجأ لهما حتى نهاية الحرب.

ولكن الملكة الأم رفضت واصرت على مشاطرة سكان لندن ما يعانونه مع زوجها الملك جورج السادس.

بيد ان الرئيس غير المرؤوس والنخبة غير الطغمة. وقادة الدول يحرصون على سلامة بعضهم البعض. تراهم يفتكون بألوف المواطنين دون ان يفكروا بانهاء الحرب بقتل الشخص المسؤول عنها. وضمن هذا التقليد ظلت الطائرات الالمانية تكيل الويل والثبور لسكان شرق لندن، المنطقة العمالية من العاصمة البريطانية، دون ان تمس القصور الارستقراطية لغرب لندن، بما فيها قصر بكنغهام. في احدى هذه الليالي شدد الالمان غاراتهم بحيث تحولت منطقة شرق لندن الى شعلة من النار بما اطلق عليه الجمهور حريق لندن الثاني. في اليوم التالي خرجت الملكة مع زوجها لتفقد الضحايا، ومشاركة الجمهور في مصابهم. ويظهر ان الملكة الأم شعرت بشيء من عذاب الضمير وهي ترى ما حل برعيتها في هذه المنطقة العمالية. عادت الى قصرها متأثرة بما رأت.

ظل قصر بكنغهام سالما، حتى عن لاحدى الطائرت الالمانية، ربما بنزوة من نزوات هتلر، او خطأ من الطيار، فضربت القصر باحدى قنابلها. كان الملك والملكة واسرتهما في الملجأ الخاص طبعا، ولكن اليزابث الأم خرجت بعد الغارة ورأت الدمار الذي حل ببيتها. وقفت وقالت كلمتها التاريخية التي ما زال الانكليز يروونها عنها:

«الآن سيكون عندي الوجه الذي اواجه به اهل شرق لندن».