الأولويات ... أولاً

TT

تكاد حالة التشرذم السياسي التي يعيشها لبنان اليوم ان تبلغ مستويات بالغة الدقة بعد تفجر ما سمي بـ«حرب الوزراء» وانقسام الحكومة، علنا، على بعضها البعض. الا ان البعد المقلق لهذه الحالة يبقى في الثقل النفسي الذي تلقيه على الوضع الاقتصادي المتعثر في البلاد، وعبره على حياة المواطن العادي، في وقت يرتفع فيه باطراد حجم الدين العام للخزينة وتزداد كلفة خدمته وتسجل فيه هجرة متزايدة للشباب اللبناني سعيا وراء فرص عمل في الخارج لم تعد متوفرة في بلادهم.

في ظل هذه المناخات الضاغطة على الجميع بات من الصعب على اي متعاطٍ بالشأن العام اللبناني ان يتجاهل ابعاد تصعيد المواقف السياسية على مستقبل بلد تعتبر المصارف والسياحة قطاعيه الانتاجيين المميزين. وغني عن التذكير بان انتعاش هذين القطاعين يرتبط ارتباطا عضويا باستقرار السوق اللبنانية وانفراج اجوائها السياسية.

في هذا السياق بالذات يجب الترحيب بمساعي التهدئة التي تلوح بوادرها الان في بيروت وبالجهود المبذولة، برعاية دمشق، للملمة الوضع الداخلي واعادة الوحدة الى الصف اللبناني تمهيدا لمواجهة التعثر الاقتصادي والتحديات الاقليمية والترحيب ايضا ببادرة السلطة في الافراج عن الموقوفين باستثناء من يجري التحقيق معهم بتهمة الاتصال بمسؤولين اسرائيليين. ومع التسليم بأن مراعاة الوضعين الاقتصادي والمعيشي الدقيقين في هذا الظرف الحساس في مسيرة استعادة لبنان عافيته لا تعني، بالضرورة، التخلي عن الحياة السياسية في ظل الخاصية التعددية في لبنان، فانها تستدعي اعادة تقويم هادئة وواقعية لاولويات المرحلة. وعلى هذا الصعيد قد لا يختلف اثنان في لبنان على ان الوضع الاقتصادي هو الشأن الاكثر الحاحا والمشكلة التي تتطلب تضافر جهود الجميع لمواجهتها بفعالية، خصوصا أن تفاقم هذا الوضع يضع جميع اللبنانيين في خانة الخاسرين بحيث لا يعود هناك غالب أو مغلوب على الساحة السياسية. عودة اللبنانيين الى أجواء الحوار الوطني قد تكون شعار المرحلة في الوقت الحاضر. وكما سبق للبنانيين ان برهنوا، بعد كل أزمة عصفت ببلدهم، انهم قادرون على تجاوز الصعاب بمواقف تغلّب المصلحة العامة على الخلافات الحزبية والفئوية، يستطيعون اليوم، بالحوار والحوار وحده، العودة الى التفاهم على المسلمات التي تجعل من لبنان تجربة فريدة في العيش المشترك في اجواء التعددية السياسية التي يتفق الجميع على انها الضمانة الاساسية لمفهوم «الوطن».