من الشارع العربي إلى الطفل الفلسطيني

TT

درتي، لله درك..

أعرف انك غاضب مني لحماسية اساليبي في التعبير عما ادعيه من غضب وتعاطف لاجلك! اعرف انك توليني ظهرك استخفافا يا حنظلة، الذي لا يموت، رغم كل المسدسات الكواتم والخيانات الشقيقة وشارونات تلمود الدم والخراب! اعرف اني اصيبك بالقرف لمشهدي العاطفي الغنائي البكائي، وانت تشاهد كيف أتاجر بمشهد حفل اعدام الدرة على الهواء مباشرة حتى احلت استشهاد الولد المرعوب لصق ابيه الى اعلان عن بضاعة فاسدة اسمها «ثقافة الندب»! اعرف انك لو التفت نحوي لرميتني بحجر وفي ذهنك الجلي الثاقب يتردد بيت جدك الذي تعرفه الخيل والصحراء والسيف والقلم:

امامك روم وخلفك روم فعلى اي جانبيك تميل! اعرف انك تعرف ماذا تخرج الفقاعات العاطفية الصاخبة! اي غثاء! حيث غث ـ غثاثة: ما عجف وهزل، ومن تكلم بما لا خير فيه، واذ الغث من الكلام رديئه! اعرف انك تعرف اني عاجز عن ان اغيث نفسي من عسف بني جلدتي فكيف لي ان اغيثك من نازية بني اسرائيل ومحرقتهم القائمة منذ قرن!.

وأعرف انك تعرف اني اعرف انك تسخر مني! تلقي نكات عن جعجعاتي، فيما ترجُم أبالسة بني صهيون بحجارتك السجّيلية، تلتفت الى رفيق نضالك الحجري وانتما مستترين خلف متراس من مخلفات ما دمره اليهود من سيارات محترقة واطارات واكوام من حجارة البيوت المنسوفة.

حلمك وعفوك، اخشى ان اطلب منك تقدير وضعي الحرج لانك سترد: وماذا عن دمي المسفوك بلا حرج؟! اخشى ان اقول لك اننا نتعذب من اجلك في الجوامع واحرام الجامعات المحروسة والمؤتمرات والندوات والفضائيات الصاخبة، لأنك ستقول ابحثوا لكم عن تكية أخرى! اخشى ان اقول لك ان القدس عروس مدائننا لأنك ستقول في رجولتنا قولا رذيلا يسيء الى سمعة فحولتنا المبجلة ويشوه نخوتنا المفتخرة!.اننا نخشاك لأنك فضحتنا من الماء الى الماء.

يا ايها الطفل الصغير الاكبر من كبارنا المجعجعين بالتهديد والوعيد وتجييش الملايين، ارفق بهم وخفف من استهتارك بتبرعاتهم التي يمنعها اليهود كي تفسد على الحدود مع مصر والاردن! ولا تكن ساخرا، يا صغيري، الى الحد الذي يجعلك تقهقه ممسكا ببطنك ساقطا على ظهرك عندما تسمع في الاخبار ان اجتماعا سيعقد من اجل النظر في تطور حالة دمك المسفوك! أعترف اننا غير معنيين بطفولتك المصادرة، تركك لمقاعد المدرسة وهجرك للعب اللاهي وحاجتك الطبيعية الى الدلع والزمق.. والى كل ما يفعل الاطفال! اننا نريدكم، اولادا وبنات، حجريين، كي نفتخر بكم في الشعر والغناء والخطب العصماء..! «نسرين مشعل» بنت حجارة، كان عمرها 12 سنة عام 1989، زمن الانتفاضة الاولى، قالت ردا على سؤال: هل تذهبين الى المدرسة؟

ـ «لا، العدو اغلق المدارس، بدو يخلينا جهلة، لكن هو لا يعرف ان المدرسة عندنا مثل الشارع، الشارع هو الانتفاضة.. وما في حل غير الانتفاضة».

«الشارع هو الانتفاضة.. وما في حل غير الانتفاضة»، قالت نسرين ذلك في الانتفاضة الاولى برؤية ثاقبة كجدتها زرقاء اليمامة! نسرين اليوم، في الانتفاضة الثانية، تبلغ الرابعة والعشرين! ماذا تراها فاعلة؟!».

و«سائد سعود عيد» كان طفل حجارة، في الثامنة وقت الانتفاضة الاولى، سئل «ألست صغيرا على الركض في الشوارع؟». رد «اتمنى ان اكبر بسرعة وامشي مع المتظاهرين وأرمي الحجارة على الجنود. احب ان اكبر واصير مثل المطاردين الكبار ايللي الجيش يبحث عنهم». ما هي اخبارك يا «سائد» في هذا الزمن السائد، اليوم، في الانتفاضة الثانية، وقد بلغ عمرك عشرين عاما، عساك كما تمنيت: كبرت بسرعة، وصرت واحدا من «الكبار ايللي الجيش يبحث عنهم» اذن، احرص على نفسك من اليهود القتلة والعرب العملاء! ولنبق.. نفتخر بأطفال يتساقطون كالعصافير الشهيدة في فلسطين البعيدة! نحن العابرون في شوارع بعناوين سياسية لا تعني شيئا! فالثور نفسه منذ ابتكرت الناعورة، وبعل نفسه منذ بنيت الزقورة، وفرعون نفسه منذ شيد الهرم! فأي مفلسين «كبار» يفتخرون بأطفال هجروا طفولتهم كي يقوموا بمهمة تحرير تاريخية نيابة عن أمة من «الفحول»! [email protected]