قراءة في أبجدية «الدعم العربي» للانتفاضة

TT

تزامن انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب يوم الاربعاء الماضي، مع خبر نقلته وكالة الصحافة الفرنسية من نيامي عاصمة النيجر وفيه ان جمعيات بدأت سلسلة من الخطب تستمر اسبوعاً تضامناً مع الشعب الفلسطيني.

واحد من أصحاب الألسنة السليطة في بيروت تساءل: في النهاية ما الفرق بين جمعيات النيجر والدول العربية بالنسبة الى نصرة القضية الفلسطينية؟

طبعا لا حاجة الى الاجابة أو الشرح، لكن قياسا بما كان قد قيل عن الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية، حيث أفادت مصادر الجامعة العربية في منتصف هذا الشهر بالحرف: «ان مشاورات مكثفة تجري بين الدول العربية لتدارس ما يمكن الخروج به من قرارات». قياسا بهذا وبالنتائج الانشائية والغامضة التي تم التوصل اليها، يمكن القول ان وزراء الخارجية قدموا في اجتماعهم الذي عقد لـ «نصرة القضية الفلسطينية» استعراضاً خامساً للفشل باعتبار انهم اجتمعوا للمرة الخامسة في 10 أشهر للبحث في سبل دعم الانتفاضة الفلسطينية التي تواجه مذبحة اسرائيلية متمادية، دون ان يضيفوا شيئاً الى آلية مواجهة ارييل شارون.

وهذا يعني ان ليس هناك شيء جديد في السياق الديبلوماسي العربي، لكن نكتة الموسم، اذا جاز التعبير، جاءت يوم الاربعاء من القاهرة وتمثلت بالانقسام الذي ظهر في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وهي نكتة كادت تثير بكاء عدد من الوزراء الحاضرين وفي مقدمهم فاروق الشرع وذلك لسببين:

أولاً: ان وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم افتتح الاجتماع مطالباً بأن تكون المناقشات سرية ومغلقة، وهو ما دفع زميله السوري الى القول باستغراب: «ولكننا نعرف جميعا ان العدوان الاسرائيلي يتم على مرأى ومسمع من العالم اجمع، فلماذا نناقش هذا الأمر بشكل مغلق»؟

ثانياً: ان وزير خارجية عمان يوسف بن علوي بن عبد الله، طالب بالسرية على اعتبار: «ان المؤتمر سيناقش خطة عربية متكاملة (لاحظ كلمة متكاملة) لدعم الانتفاضة... واعتقد ان مثل هذه الخطط من المفروض الاّ تناقش في العلن».

طبعا لم يكن هناك ما يشير قط الى وجود خطة عربية من هذا النوع، والدليل ان الشرع سارع الى القول مستغربا، انه لم يسمع بخطة من هذا النوع، وان الاجتماع الذي انتهى في الليلة عينها لم يكن ليتمكن من مناقشة خطط متكاملة في هذه العجالة من الوقت، وان كل ما قاله وزير خارجية قطر في مؤتمره الصحافي الختامي لم يشر عملياً الى خطة قدمت أو نوقشت.

وعلى هذا الاساس انفض اجتماع الديبلوماسية العربية وهو الخامس كما فض كما عقد، دون ان يقدم أو يؤخر في مسار المذبحة الاسرائيلية المفتوحة ضد الفلسطينيين، اما الحديث عن «السرية» فقد بدا في النهاية أمراً مفهوماً بالنسبة الى الكثيرين، فهو لا يقع في باب مأثرة الكتمان لقضاء الحاجات وانما في باب السترة.

وتبدو «السترة» أمراً مفهوما قياساً بـ «المعصية السياسية» العربية اذا جاز التعبير، وقد يكون من الملائم ان نتذكر، انه منذ اندلاع الانتفاضة في 28 ايلول (سبتمبر) من العام الماضي حتى اليوم، عقدت الدول العربية مؤتمرين للقمة.

قمة طارئة في القاهرة، ثم قمة دورية في عمان، ولكن القمتين لم تسفرا عن شيء يذكر، باستثناء تقديم المساعدات المادية الى الفلسطينيين لا بل انهما كشفتا مدى التقصير وحجم التخاذل الى درجة ان المطالبات شبه اليومية، التي يتعمد ياسر عرفات اطلاقها داعيا الى الاجتماعات العربية على مختلف المستويات بدت وكأنها نوع من الامعان في احراج الانظمة العربية امام الشارع العربي، الذي يغلي بازاء ما يجري في فلسطين المحتلة، ولعل هذا ما اثار حفيظة حسني مبارك نهاية الشهر الماضي، فقال ان من غير المعقول ان ندعو الى عقد قمة عربية كلما حصل شيء.

بعد اسبوع على كلام الرئيس المصري، عاد عرفات الى المطالبة بعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب للبحث بالعدوان الاسرائيلي المتمثل بالدخول الى «بيت الشرق» والمضي في المذبحة ضد الكادرات الفلسطينية، وهذا عندما تقرر عقد اجتماع الاربعاء الماضي بدا بالنسبة الى بعض الديبلوماسيين الغربيين وكأنه «جائزة ترضية» تقدم الى الرئيس الفلسطيني... ولكن قياسا بالنتائج الموضوعية والعملية لا مجال للحديث عن كسب الجوائز الكبرى أو الصغرى، فاذا كانت مؤتمرات القمة لم تسمن فإن الاجتماعات على المستوى الوزاري لن تغني من جوع.

وما دام الحديث عن الاجتماعات العربية، فلا بد من ان نتذكر مثلا، ان «لجنة المتابعة» التي انبثقت عن القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي وكلفت متابعة تطورات الوضع في فلسطين المحتلة، عقدت حتى الآن وبعد جهود حثيثة ثلاثة اجتماعات خالية من أي معنى أو نتائج، مع ان وظيفتها ان تتابع ما يجري.

وقد كان من المؤلم فعلا ان الاجتماع الاخير الذي عقدته جاء استجابة لطلب صريح من مجلس التعاون الخليجي، وهو ما جعل البعض يقول: ان لجنة المتابعة تحتاج هي ايضا الى لجنة متابعة تذكرها بمتابعة وظيفتها.

على ان هذه اللجنة التي تضم ثماني دول عربية، اضافة الى الجامعة ممثلة بأمينها العام عمرو موسى (كان الله في عونك يا عمرو موسى)، تعرضت كما هو معروف لتقريع صريح وقاسٍ من وزير خارجية مصر أحمد ماهر، لأنها طالبت في اجتماعها الثاني الدول العربية، بوقف اتصالاتها (لا علاقاتها) مع اسرائيل، مستثنية بالطبع مصر والاردن والسلطة الفلسطينية لأسباب معروفة.

ورغم هذا جاء تعليق ماهر تهكمياً صارخاً: «ان لجنة اسمها لجنة المتابعة اجتمعت بينما الطائرات الاسرائيلية تشن عدوانا على المدن الفلسطينية وتقصفها وتقتل الفلسطينيين، فاتخذت اللجنة في لحظة حماسية قرارا يخرج عن نطاقها».

وماذا ايضا في أبجدية العمل العربي المشترك للبحث في سبل دعم الانتفاضة؟

قد يكون من الملائم ان نتذكر هنا ان قمة عمان كانت قد تطرقت الى إحياء عمل المقاطعة العربية بناء لطلب من سوريا، لكن دمشق بذلت جهوداً مضنية على مرحلتين لاستئناف اجتماعات لجان المقاطعة. ورغم ان الاجتماع الذي عقد لهذه الغاية في العاصمة السورية نهاية تموز (يوليو) الماضي اعتبر انجازا، فإن من المعروف انه اصطدم بوجهات نظر عربية متباينة حول المدى الذي قد تصل اليه المقاطعة: إلى الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة... وقد تبين من خلال ردود وزير خارجية قطر مساء الاربعاء الماضي على الصحافيين بعد انتهاء مؤتمر وزراء الخارجية: «ان المقاطعة تحتاج الى درس وتخطيط»... والدرس والتخطيط يعنيان احالة الى النوم على الرفوف! ومن الضروري في هذا السياق المثير والذي لا يصدق، ان نتوقف عند المؤتمر الطارئ لوزراء الاعلام العرب الذي عقد منتصف هذا الشهر، حيث جرى الحديث عن «خطة اعلامية» وسرية ايضا، يقال انها تنتظر التمويل، الذي يتجاوز بالتأكيد مبلغ المليون دولار كما ذكرت الوكالات (ربما على سبيل التشنيع وباعتبار ان هذا المبلغ لا يغطي نفقات اتصالات هاتفية بالوسائل الاعلامية الغربية).

لكن نكتة الموسم الاعلامية العربية تمثلت في تشكيل لجنتين; واحدة موسعة تتألف من سبع ستقوم بجولة عربية لرصد مبلغ 20 مليون دولار سنوياً للخطة، وواحدة مصغرة للاشراف على انفاق هذا المبلغ.

وفي التعريف النظري للخطة الإعلامية انها تتضمن: «بث برامج تلفزيونية وعرض وجهة النظر العربية (وجهة النظر أم وجهات النظر؟) في كبريات الصحف الغربية، وعقد ندوات ومؤتمرات في محاولة لكسب تأييد الرأي العام العالمي مع التزام العقلانية والموضوعية في الخطاب العربي».

هكذا حرفيا، لكن هذا الامر يطرح سؤالاً على وجاهة كبيرة:

اذا توافر التمويل بحدوده التي تستطيع هذه الزاوية ان تؤكد انه عشرون مليون دولار سنويا سيتم رصدها من دول خليجية، وإذا توافر الشكل، اي طريقة الانفاق، فماذا عن المحتوى، وأي وجهة نظر سيتم ترويجها وفي الساحة الفلسطينية وجهات نظر من الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي، كما في الساحة العربية وجهات نظر من هذا الامر؟

أي خطاب سنوجهه للرأي العام العالمي ونحن لا نجد خطاباً واحداً نتفاهم به وعليه داخل الجامعة العربية التي تتحدث على ما يبدو «لغة عربية»؟ مجرد اسئلة تتآكلها المرارة!