سنوات في مصر 21: أرسلني حسونة سفيرا إلى أوروبا لكي يحاربني رسميا في القاهرة!

TT

كان أمين الجامعة العربية السيد عبد الخالق حسونة باشا، لا يريد لرجال الجامعة العربية اعطاء التصريحات الصحفية أو الاعلامية في الاذاعة أو في الصحف، ويكره ان يرى الاضواء مسلطة على احد سواه.

كان يعتقد وينادي بأن جامعة الدول العربية كالامم المتحدة، لا يجوز ان يظهر على مسرح احداثها ـ في الدرجة الأولى ـ الا امين الجامعة العربية وسكرتير الامم المتحدة..! ومن هنا كانت كراهية حسونة باشا لمساعدة السيد أحمد الشقيري. ومن هنا ـ ايضاً ـ جاء الحب المفقود بين حسونة باشا ومساعده الآخر الدكتور السيد نوفل...

وكما ان العمليات الحربية، مهما تنوعت أو اختلفت، تبقى معتمدة في خطواتها على جهاز عسكري خاص اسمه «غرفة» العمليات، كذلك يبقى نشاط العرب الاجمالي، أو الشمولي في مختلف عواصم العالم يعتمد على الامانة العامة لجامعة الدول العربية وعلى شخصية، ونشاط الامين العام.. بالذات..! وعندما تصاب غرفة «العمليات» بالشلل يصاب معها «الوجود» العربي في مختلف عواصم اوروبا أو امريكا، بالشلل..

ولكن «الباشا» كان احرص الناس على ان يقول لا شيء بالمرة بدلاً من ان يقول شيئاً قد يحرجه مع بعض عواصم العرب وقادتهم، حتى ولو كان في بعض كلامه فائدة لأية قضية عربية واحدة. لقد سألته عن رأيه في «الحلف الاسلامي» فأجاب بأن علينا ان نحصر حديثنا في الاسلام ونترك الحلف.. لغيرنا! وسألته عن رأيه في «الوحدة العربية» فأجابني: العرب امة واحدة! وسألته عن موقفه من موضوع الصلح مع اسرائيل فقال: «علينا ان لا نحارب أو نهاجم احداً»!! ولم تطربني آراء حسونة باشا بقدر ما ملأت قلبي بالحيرة وبالأسى. وتذكرت عبارة سمعتها من الرئيس جمال عبد الناصر عندما ذهبت لكي اودعه قبل مغادرتي مصر، قال لي الرئيس: «.. الجامعة ليست ميدانك! ان ميدانك هنا، وطبيعتك ونفسيتك لا تتفق مع طبيعة الجامعة العربية ولا مع نفسية رجالها. ومع ذلك فان هذا هو ما اردته انت لنفسك! لا بأس اذهب لعام أو عامين، وعد بعدها الينا، وستجد ان القاهرة، وعملك، وكلنا، بانتظارك!..».

ذكرت هذا كله.. وترحّمت على القائد الذي رحل..

وتذكرت ايضاً كلام سفير الاردن في بون عندما استقبلني لكي يقول لي: «لماذا اخترت لنفسك كل هذه البهدلة؟! وما الذي جعلك تحب الجامعة العربية؟! وتذكرت مقابلتي مع سفير تونس «الخضراء» وهو ينتفخ امامي كالديك الاحمر لكي يسألني: هل تعرف من هو الشخص الذي كشف عن سر صفقة الاسلحة الالمانية إلى اسرائيل؟! وقبل ان افتح فمي عاجلني بصوت مرتفع وهو يشير إلى صدره: أنا!! ثم افترى ذلك السفير التونسي الانيق على زيارتي لالمانيا وزعم لرئيسه الحبيب بورقيبة انني جئت إلى بون لكي اسعى لاعادة العلاقات المقطوعة بين المانيا والعرب! ..وذلك كله، نكاية بالعرب.. وبالجامعة العربية! وقضيت عدة أيام في المانيا. وسمعت كثيراً. ورأيت كثيراً. رأيت المانيا ـ يومذاك ـ في اسوأ حالاتها!.. بلد مجزأ ومقسم، ومعقد، ومعزول عن العالم، ويتمسك بكل جندي امريكي للبقاء فوق ارضه..! وهذا الكلام ليس مني. بل سمعته من ويلي برانت، زعيم الحزب الاشتراكي -والمستشار لاحقاً- عند لقائي معه في مكتبه بدار الحزب. يومها قال لي: «قد نكون مقصّرين معكم، وعاجزين عن تفهم وجهة نظركم بالنسبة لموقفنا من اسرائيل. ولكننا نطمع ان نجد عندكم من هو قادر على ان يفهم ويدرك ما نتعرض له ـ نحن ـ من ضغوط خارجية بالنسبة لهذا الموقف. اعني اسرائيل».

كلهم يتغنون بأمريكا، وكلهم يشكون من.. امريكا! هكذا ـ ايضاً قال لي الهر مايونيكا ـ رئيس الشؤون الخارجية في البرلمان الالماني، وهكذا قال لي الدكتور هانز ماركنز والدكتور ولتر هلبيبج والهر مندي زعيم حزب الاحرار، وكل من قابلني أو قابلته من المستشرقين أو المستشارين. كلهم يصرخون تلميحاً وكلهم يشكون همساً، ولكن واحداً منهم لم يملك الجرأة ولا المقدرة على ان يسمي الاشياء بأسمائها ويقول بالفم المليان:

ـ امريكا! ...انها امريكا! ...امريكا! ان الاعتراف الالماني التاريخي باسرائيل، جاء بعد لحظات من وصول الهر رينر بارتزل قادماً من امريكا! وصفقة الاسلحة السرية في باريس، كانت مقدمتها وخطوطها العريضة، جاهزة في امريكا! والوعد الالماني التاريخي من المستشار كونراد اديناور إلى بن غوريون بدفع الخمسمائة مليون دولار اعطي على ارض امريكا! والتعاون العالمي والفني، عسكرياً وذرياً ـ بين بون وتل ابيب ما كان ليصل إلى حد الخطورة التي وصل اليها لولا تشجيع.. وبركات.. امريكا! فالمانيا ـ يومذاك ـ كانت على ثقة في ايمانها وثقتها بأن مفتاح حياتها موجود في امريكا ..وحدة الارض الالمانية و«عودة» برلين ووحدة الشعب الالماني، كلها معلقة بيد امريكا! ولكن امين الجامعة العربية ـ اعني الباشا ـ الذي رضيت بالعمل تحت مظلته، لم يكن يجد في المانيا الا انها ذلك الشعب المنظم!! وقال لي وكأنه اكتشف القنبلة الذرية: «يجب ان نتعلم من هذا الشعب حبه للنظام؟!» وسر ذلك، ان حسونة باشا لم ينس انه كان منذ «سبعين» سنة أو اكثر، موظفاً بسيطاً في قنصلية مصر ببرلين ..ووقع يومذاك في حب الشعب الالماني!..

ولم امعن في لوم حسونة.. لأني كنت اعلم انه في الوقت الذي كانت المانيا تجري مباحثات سرية مع اسرائيل بقصد منحها المزيد من الأموال، والاسلحة، والمعونات المختلفة، كنا نحن العرب نهدّد ونتوعد ونغلق عيوننا عن «خمس» دول عربية شقيقة كانت وما زالت ـ يومئذ ـ تتصل بالخارجية الالمانية «سراً» وتبعث اليها بالوفود وتسألها المزيد من القروض والمعونات..

ولو استطاع السفراء العرب لدى حكومة بون قبل قطع العلاقات مع المانيا اللعب بورقة المانيا الشرقية، بحزم ووضوح، لما تجرأت حكومة بون على الاعتراف بتل ابيب. ولكن، الارقام قالت ان حجم التبادل التجاري بين المانيا والعرب تضاعف عدة مرات بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين العرب والمانيا.. الغربية! *** لقد تركت المانيا وسافرت إلى باريس! في ذلك اليوم.. والدنيا مطر، والعواصف على أشدها، هبطت بي الطائرة في مطار أورلي الفرنسي.. وعلى بعد خطوات مني، هبطت طائرة مصرية خاصة تنقل من القاهرة، المشير عبد الحكيم عامر قائد جيش مصر ونائب رئيس جمهوريتها..

وكنت قد ابرقت إلى مكتب الجامعة العربية في باريس اعلم المسؤولين فيه عن موعد وصولي، واطلب منهم تحديد موعد لي مع السيد المشير عامر..

وكان همي ان اقابل المشير واتبين منه ـ على ضوء مقابلاته للمسؤولين الفرنسيين ـ وهي اول مقابلات يجريها مسؤول مصري منذ حرب الجزائر، مدى التغيير الذي طرأ على العلاقات العربية ـ الفرنسية، سلبياً أو ايجابياً؟ ولكني لم اكن ادري ان المسؤول عن مكتب الجامعة العربية في العاصمة الفرنسية كان، بوضعه وظروفه أتفه من ان يطلب لي موعداً مع القائد المصري، واجهل من ان يعلم بتطور العلاقات العربية الفرنسية. من هنا قررت ان اقابل سفير مصر شخصياً، وابحث معه الأمر..

ولكن سفير مصر، بدلاً من ان يحدثني عن المهمة التي جئت من اجلها، فاجأني بقوله لي: «البارحة كادت تحصل هنا فضيحة..!»» قلت: خير ان شاء اللّه..

قال: «كان المفروض ان يذهب المشير عامر إلى نصب النصر التذكاري لكي يضع اكليل ورد على قبر الجندي الفرنسي المجهول، وذلك في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً. وعندما ذهبت إلى فندق «الكرييون» لكي ارافق المشير في هذه الزيارة، رأيته ما زال معتكفاً في غرفته. وكانت الساعة قد جاوزت الحادية عشرة والنصف. ولم يبق على الموعد المحدد الا نصف ساعة.. وقائد حامية باريس مع فرقته ينتظروننا عند النصب لأداء المراسم. ودخلت على المشير فإذا بي اراه نائماً في سريره.. وقلت له ان الوقت قد حان للذهاب إلى النصب التذكاري ولكن المشير ابدى عدم الاهتمام بي قائلاً:

ـ لسه بدري.

قلت: ولكن لم يبق امامنا الا اقل من نصف ساعة..

قال: وايه يعني؟

قلت: لا! ..الامر جد.. والفرنسيون يحرصون على مواعيدهم كثيراً.

قال: هوّه ايه! قلت: الجنرال ديجول مهتم بأمر هذه الزيارة، شخصياً.

وهنا صاح المشير:

ـ يعني هوه «حايذلّنا» بالزيارة دي؟

قلت: لا ذل ولا حاجة يا افندم.. ولكن المسألة مسألة مواعيد.

قال: اذا كنت حاتطوّلها.. لن اذهب.

وخشيت ان ينفذ المشير تهديده، فسكتّ..» وانتهى كلام السفير المصري..

وقلت له: ولكني حريص على ان اقابل المشير رغم كل ذلك..

قال: ولماذا لا تقابل الدكتور محمود فوزي اولاً؟

قلت: واجب يا افندم.. واجب! وحدد لي موعداً في تمام الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي لمقابلة محمود فوزي، وزير الخارجية المصرية وتناول طعام الافطار معه..

ودخلت على الدكتور فوزي في جناحه بفندق «الكرييون» المطل على اجمل ميادين العالم، فوجدته على اتم الاستعداد.. بانتظاري.

واشهد ان الدكتور فوزي هو المثال الانيق للدبلوماسي الرقيق الذي لا يقول شيئاً، ولا يفيد بشيء.. بكل براءة وخبث وتمثيل.

فقد دار بيننا، الحوار التالي، انقله بحذافيره:

أنا: ايه الاخبار يا دكتور فوزي؟

فوزي: الآلة ماشية كعهدها دوماً.. ماشية.

أنا: اعني اخبار المشير وزيارته لباريس..

فوزي: المهم ليست المقدمة، بل المهم هو الكتاب!! أنا: هل تعني مقدمة الزيارة؟

فوزي: اعني ان الجوهر يجب ان لا يقل نظافة عن المظهر، والا ضاع كل شيء..

أنا: هل تعني جوهر الزيارة، ومظهرها..

فوزي: اعني ان علينا ان لا نضيع في غمرة الشكليات فتضيع من ايدينا الاساسيات! أنا: ارجو ان يكون المشير قد حقق شيئاً من وراء هذه الزيارة؟

فوزي: المهم ان نحقق تحقيق النجاح؟

أنا: هل افهم ان المشير لم ينجح؟!.

فوزي: النجاح له سبيلان: اما بساعدك، أو بضعف الآخرين..

أنا: وبأيهما نجح سيادة المشير يا سيادة الدكتور؟

فوزي: يعجبني قول مونتسكيو «انه من متطلبات النجاح ان تبدو بليداً في ثياب حكيم..»!! أنا: وهل ارتدى المشير ثياب الحكيم يا ترى؟

فوزي: اهم شيء هي العقيدة! أنا: وهل شعر الفرنسيون بثبات «عقيدة» المشير؟

فوزي: نحن نعمل بروح فوّارة! أنا: وهل اثمرت هذه الروح عند حكام باريس؟

فوزي: قلت لك يا اخي ان المهم ليست المقدمة، بل المهم هو الكتاب..

ناولني الدكتور فوزي وزير خارجية مصر قطعة خبز مدهونة بالزبدة الفرنسية وهو يقول:

ـ ان «زبدة» باريس.. كباريس! قلت: لذيذة؟

قال: شفّافة.. انها شفافة! قلت: هل تعني.. دسمة؟

قال: بل انها مفيدة.. ايضاً! قلت: انها خفيفة، أليس كذلك؟

قال: ولكنها ضرورة.. هكذا هي! وعدت اسأل الدكتور فوزي لكي ابتعد بالحديث عن «الزبدة»:

ـ هل تظن ان المشير سيعود سعيداً إلى القاهرة؟

واجابني: ـ ان «الركن» يجذب ابناءه بحب..! قلت متسائلاً: كيف؟! قال: لأن الأقوى يجذب القوي.. والقوي يجذب الضعيف! قلت للدكتور وأنا أهم بالانصراف: ـ اشكرك يا دكتور فقد احطتني بأسرار الموقف العربي والدولي، كلها! ورافقني الدكتور فوزي إلى باب الشقة، وهو يقول:

ـ دع هذا الذي سمعته مني.. سراً بيننا! وهبطت إلى صالون الفندق، فوجدت الصديق الزميل الطيب القلب أحمد بهاء الدين بانتظاري. وسألني بهاء بلهفة زائدة:

ـ ماذا قال لك فوزي؟

قلت: المهم ليست المقدمة، بل المهم هو الكتاب! قال بهاء: فوزي؟.. فوزي؟.. ماذا قال لك فوزي؟

قلت: يجب ان لا نضيع في الشكليات فتضيع من ايدينا الاساسيات..! ونهض «بهاء» من كرسيه وهو يقول لي بدهشة:

ـ ايه؟

قلت: لا شيء! قال: انا اسألك عن الدكتور فوزي..

قلت: وأنا اعيد لك ـ حرفياً ـ ما سمعته منه! وتركت بهاء غارقاً في «بحر» الاسرار الخطيرة التي سمعها مني وذهبت ابحث عن سفير مصر في باريس.. السيد النجار! وقلت للسفير الاستاذ النجار:

ـ اشكرك فقد كانت زيارتي للدكتور فوزي «مفيدة جداً» ولكني حريص على مقابلة المشير..

قال لي السفير:

ـ الليلة، وقبل ان يأتي لحضور حفلة الكوكتيل التي اقيمها تكريماً له بدار السفارة المصرية.. تعال! وفي الساعة السادسة مساءً، كنت بدار السفارة اتحدث مع المشير عبد الحكيم عامر..

وسألت المشير:

ـ هل هناك اي تحسن في العلاقات مع فرنسا..

و«سحب» المشير نفساً طويلاً من سيجارته واجابني وهو يسعل سعالاً عميقاً:

ـ واللّه يا ـ ناصر ـ نحن لم نتقدم بأية طلبات! قلت: ادري! ..ولكن ماذا كانت نتيجة المباحثات؟

قال: ديجول قال لي أنا لست مسؤولاً عن العدوان الثلاثي في عام 1956 على مصر..

قلت: وماذا ايضاً؟

قال: ما يهمني الآن ان يلتقي «الكبيران»، اعني الرئيس ديجول والرئيس عبد الناصر..

قلت: وهل انت متفائل بإمكانية تحقيق ذلك؟

قال: ليه.. لا؟

ثم دق المشير بكفه على كتفي وسألني:

ـ هه! انت عامل ايه في جنيف؟

قلت: كل خير والحمد للّه..

قال: حاسب على نفسك. اوعا اليهود يغتالوك! قلت: الحافظ هو اللّه يا سيدي المشير..

قال وهو يمسك جبهته بيده: «أنا عايز ارجع مصر .. البلد دي - يقصد باريس - حاجة متعبة. يا سيدي نحنا جماعة بسطاء .. احنا فلاحين»!.

قلت: هل افهم من سيادتك ان علاقتنا مع فرنسا قد تحسّنت، وبالتالي، على الجامعة العربية ان تتحرك وتستغل هذا الظرف للمصلحة العربية العامة؟

وقال لي المشير: يا شيخ بلا «جامعة».. بلا قرف! وشعرت بالعرق البارد يتصبب على وجهي.. وسحبني المشير من يدي إلى صالون السفارة وهو يقول لي:

تعال نشوف ايه الجو.. «جوهّ».. عامل ايه؟

ودخلنا إلى الصالون.. وغرق المشير في بحر الضيوف والزوار حتى منتصف الليل..

وقد تعمّدت ان اسرد هذه التفاصيل لكي اؤكد حقيقة واحدة وهي ان الايام التي جاء فيها المشير عامر إلى باريس كانت من أدق واخطر ايام العلاقات بيننا وبين فرنسا، خاصة انها اول زيارة تقوم بها مصر إلى باريس بعد قطيعة الجزائر التي امتدت سنوات طويلة. وكان كل الجهد الصهيوني ينصب يومذاك على نسف اي تقارب محتمل بين القاهرة وباريس، وان تقتصر علاقات فرنسا على بعض دول شمال افريقيا.. وان تحصل اسرائيل على اكبر كمية من الاسلحة الفرنسية الحديثة. وقد نجحت اسرائيل في ان تملأ الفراغ الهائل الذي ساد العلاقات العربية الفرنسية منذ عام 1956 حتى عام 1966 وكان على العرب انقاذ ذلك الموقف. ويجب ان اقول بأن خلافاً شديداً كان محتدماً بين معظم رجال السفارات العربية في باريس، وان اسرائيل حاولت استغلال ذلك الخلاف بكل الوسائل... ونجحت! وما زلت اذكر انني سألت سفير القاهرة في باريس وقد زادت احاديثنا صراحة ووضوحاً:

ـ ما رأيك في نشاط مكتب الجامعة العربية، هنا؟

ـ واجابني السفير وهو يبتسم:

ـ «مدير هذا المكتب ـ كما تعلم ـ كان مراسلاً لوكالة أنباء الشرق الأوسط هنا.. وهو ـ على العموم ـ «بتاعنا». وانا احميه من تبعية بقية السفارات العربية خلال اجتماعاتنا الشهرية.. وهو يقوم بكل ما اطلبه منه دون تردد..!!».

قلت للسفير:

ـ ساحدثك عما سمعته عن هذا المدير، بصراحة. قيل لي ـ من الاوساط المتنفذة في باريس ـ انه لا يفهم شيئا في اصول الدعاية، ولا يعرف شيئاً عن ابسط حقائق القضايا العربية. انه ينادي بأنه صديق لليسار الفرنسي، بحجة انه يدعو بعض اليساريين الى منزله فيشربون ويتناقشون حتى يثملون. ولكن اليسار الفرنسي يفخر باستناده الى «الفكر» الذي لا يتمتع به هذ المدير. ولا اريد ان أقول بأن الذي يتزوج من اجنبية يفقد كثيرا من عناصر الجد في شخصيته القومية، فهذا المدير متزوج من ايطالية وهذا شأنه ..ولكن ألم تجد الجامعة العربية شخصا يقدر على ان يقوم بمسؤوليات مكتب في باريس وتكون زوجته من بغداد أو بيروت أو القاهرة.. مثلا؟

واجابني سفير القاهرة ضاحكا: «معلهش.. علشان خاطري!» قلت: ولكن السكوت على خدعة اليسار الفرنسي، قد تنفع مثلا في قضية استقلال الجزائر، ولكنها لا تنفع في قضية..كفلسطين. وقد تقبلها امانة الجامعة العربية لجهلها بكل شيء ولكن لا يقبلها انسان يرجو ان يجد في مدينة كباريس رجال علماء قادرين على خدمة قضيته وبلده...

اجابني السفير:

ـ «معلهش.. علشان خاطري!» قلت: وسمعت ان هذا المدير لم يترك شخصاً الا وقص عليه طرفا من امجاده السابقة.. هل أحدثك عن هذه الامجاد؟

اجابني السفير مقاطعا: «سمعت عنها.. انه يقول انه كان المترجم الخاص للرئيس عبد الناصر باللغة الفرنسية.. أليس كذلك؟»» قلت: هي كذلك..

قال: «معلهش.. علشان خاطري!» قلت: ولكن هذه الامجاد المزعومة لا اساس لها من الصحة..

قال: «أعلم ذلك، ولكن..» قلت مقاطعا: معلهش.. علشان خاطرك !!! قال: «وماذا تريد مني ان أقول غير ذلك؟» قلت: لقد زرت مكتب الجامعة العربية في باريس.. واعتقد انه من غير اللائق ولا من الطبيعي ان اجد في مكتب هذا المدير وعاء زجاجيا ضخما طوله بالامتار وعمقه بالامتار وقد ملأه بالماء وجمع فيه اطرف واغرب واندر انواع السمك في العالم! هذه مهزلة.. ان مكتب الجامعة ليس مطعما، ولا صالون حلاقة، ولا نادياً ليلياً لكي نزينه بالاكواريوم. ولماذا بعد ذلك يجري تأثيث هذا المكتب بالسجاد العجمي، ويزيّن بالصور الزيتية، وتخصص منه ست غرف كاملة لاقامة السيد المدير مع عائلته على حساب الجامعة العربية؟ أجل لماذا؟

اجابني السفير:

ـ «.. والله انا محتار.. خلينا في العموميات.. معلهش..» قلت: لا بأس. فقد علمت من المسؤولين الفرنسيين ان الخيوط الرئيسية التي رسمها هذا المكتب لنفسه حيال الجنرال ديجول وسياسة الجنرال ديجول لا تبشر بالخير، ولا تدعو الى الطمأنينة..

قال: «ماذا تعني.؟» قلت: بينما تشيد الدول العربية بصداقة فرنسا.. بل وتنشد هذه الصداقة، وبينما تشيد جمهورية الجزائر الشعبية بالمعونة الفنية والتكنولوجية التي تقدمها لها وبينما تزداد العلاقة الاقتصادية بين القاهرة وباريس قوة ونمواًَ، وبينما يصفق لبنان للشخصية المستقلة التي خلقها ديجول في السياسة الدولية، اقول بينما يجري كل ذلك، نرى ان مكتب الجامعة العربية في باريس يدخل في جوهر القضية الفرنسية، ويحشر انفه في صميمها، ويصادق المعارضة ورجالها ضد الحكم وانصاره، فيتعاون بذلك ـ بصورة غير مباشرة ـ مع النصف مليون يهودي فرنسي الذين يحاربون الجنرال ديجول بلا رحمة ولا هوادة.. ترى هل هذا لائق.. أم هل هو في مصلحة العرب؟

واجابني سفير القاهرة:

ـ «يا اخي، هل هذه هي الفضيحة الوحيدة في سياستنا العربية؟؟ انظر.. هذه حاشية المشير عامر في باريس.. هل سمعت عن مشترياتها وسهراتها على مرأى ومسمع من السلطات الفرنسية؟ لقد اشترى احد مرافقي المشير من محلات «سولكا» للكرافاتات، بضائع بما لا يقل عن عشرين الف فرنك، على اساس انها هدايا ستحمل الى الاصدقاء في القاهرة عند العودة!!» قلت له: دعنا من هذا، وابق معي في حديث الجامعة العربية..

وصرخ السفير: «.. يا أخي ملعون ابو الجامعة العربية!!!» وخرجنا نتمشى في جادة الشانزليزيه..وبدأت أشعر بأن ساعة خلاصي من العمل في هذه الجامعة العربية، التي لا تنال حتى من أهلها العرب الا الاهانة والاحتقار قد دنت..

لقد رأيت هذه الجامعة في واد والعرب ـ كلهم ـ في واد آخر: لا رابط ولا تنسيق ولا تفاهم ولا تعارف ولا احترام0 يضاف الى ذلك، ان استمرار ذلك الوضع الشاذ على ما كان عليه، يتفق مع اقصى امنيات السيد عبد الخالق حسونة الذي يعتقد في قرارة نفسه بأن استمرار وجوده في منصبه يعتمد على «عدم» اتفاق العرب على شيء..

وهكذا بقيت الجامعة تشكل قسما ثانويا من اقسام وزارة الخارجية المصرية. ورغم ان حسونة عرف بتقربه للسراي الملكية ولشخص الملك فاروق فإنه استطاع ان يساير ثورة 23 يوليو، وينافق رجالها، ويستمر في منصبه تلك السنوات الطوال. وسمعته يقول لي بالتلفون.. هو في مصر وانا في لندن: «يا سيدي.. ان دمشق سألتني بكل عداء وكل تهجم عمن يكون سفير الجامعة العربية في أوروبا ..ولكني ترددت في ان اجيهم لأني اعرف انهم لا يحملون لك أي ود أو تقدير! انا اعرف قسوة هجومك الصحفي عليهم بعد الانفصال. وهم يحتفظون بنسخ عن كل كلمة كنت تكتبها ضدهم منذ 1961 حتى اليوم. وكذلك الاخوان الاردنيون وحكومة السيد وصفي التل وما كنت تكتبه انت بقلمك عن وزارة وصفي التل. يا سيدي ان اعداءك كثر. مضافا اليهم ان لندن لا تريدك بسبب مقالاتك عن الجنوب العربي، والمغرب لا يحبك بسبب تأييدك للسيد احمد بن بيلا وللجزائر. وبورقيبة يتمنى ان يراك لكي يقطع رأسك. يا سيدي انا في مأزق بسببك. انا ادرك مدى محبة الرئيس عبد الناصر لك، وتأييده لوجودك وايمانه بضرورة الاستفادة منك لخدمة فلسطين، ولكن الرئيس عبد الناصر، ليس هو «كل» العرب ولا هو «مختارهم». انا يا سيدي لا اعرف كيف اتصرّف وماذا افعل. ان وجودك في الجامعة العربية ـ كسفير لها ـ يهدّد الجامعة بالموت، ولا يمنحها الأمل في الحياة! ...انا يا سيدي ملتزم بمسايرة ماذا تريد مني دمشق، وماذا تنتظر مني عمان.. والمغرب.. وتونس.. وليس فقط القاهرة. لقد خصّصت لك رواتبك في صندوق الجامعة من الميزانية المالية التي كانت مخصصة للانفاق على نفقات «القوة العربية» المرسلة الى الكويت للدفاع عن ذلك البلد في وجه عبد الكريم قاسم. وقد اوشكت تلك الميزانية ان تنتهي. فماذا تريدني ان افعل؟

قلت محاولا ان اهدئ من ثورة «امين الجامعة»:

ـ «لا تفعل شيئا يا معالي الباشا. كل ما هو مطلوب الآن ان نترك الامور كما هي عليه. يعني: ان تقتصر جهود مكتب الجامعة في مدينة جنيف على اعطاء دروس في اللغة العربية للخادمات الاجنبيات والسفرجية لدى السفراء العرب في سويسرا! وان تبقى جهود مكتب باريس موزعة بين الاتهامات المتبادلة بين الموظفين! وان لا يفعل مدير مكتب نيودلهي ـ بالهند ـ سوى المتاجرة السرية بشراء زجاجات العطور والروائح الطيبة، من الدولة الهندية بأسعار معفاة من الضرائب، ثم تهريبها الى لبنان.! وبيعها هناك ...».

وقاطعني حسونة باشا قائلا:

ـ «واريد ايضا ان اطمئنك يا سيدي.، بأن ميزانية الجامعة للانفاق على الدعاية قد اوشكت على النفاد..(وبصوت عالٍ تابع) ولقد قرأت لك حديثا صحفيا في مجلة لبنانية تهاجمني فيه وتطعن في الجامعة العربية. وقد اتصلت بصديقك الأستاذ هيكل وقلت له انني لا اعرف شخصا اهانني ـ على مدى السبعين سنة من عمري ـ كما اهانني الاستاذ النشاشيبي».

ولكن هيكل راح يقهقه بعد ان استمع الى التفاصيل. وقال لحسونة انه سيحاول معالجة الموضوع بما يرضيه..واتصل بي هيكل واخبرني بكل شيء.. وطلب مني اعلان هدنة! وعلى الفور، امسكت قلما وكتبت عليه السطور التالية، والتي تفسر، لا سر استقالتي من العمل في تلك الجامعة العربية فحسب، بل كانت تروي للعرب كل العرب.. مأساة الجامعة العربية.. التي يحاول البعض للآن تعليق الآمال على نشاطها.. في لم شمل العرب وانقاذ القدس ..

قلت بالحرف الواحد للباشا عبد الخالق حسونة:

«سيدي ... حيث ان العقد المبرم بيننا ينتهي في اواخر هذا الشهر رأيت لزاما عليّ ان أبعث اليكم بما يلي:

أولاً: يؤسفني ان ابلغكم قراري بالاستقالة من العمل، محتفظا لنفسي بجميع حقوقي في الراتب والاجازة السنوية.

ثانياً: يؤسفني ان اضطر الى سرد الاسباب التي حملتني على الاستقالة والتي ارى من واجبي ان اطلعكم واطلع المسؤولين في الجمهورية العربية المتحدة عليها والتي تتلخص في ما يلي:

أ ـ رغم التوصية الكريمة التي خصني بها سيادة الرئيس جمال عبد الناصر والتي تعلمون ظروفها وتفاصيلها، فقد خرجتم بفتوى عجيبة جديدة، وذلك بتعييني كسفير متجول للجامعة العربية في الخارج، بلا مخصصات، ولا صلاحيات ولا مقر عمل، ولا حصانة دبلوماسية، ولا توجيه مرسوم، ولا بدل تمثيل.

ب ـ لقد ارتضيت لنفسي هذا المنصب رغم غرابته، حرصاً مني على القيام بالخدمة العامة من اجل وطني وقضيتي في العالم الخارجي، ولكن قبول هذا لم يشجعكم الا على المضي في تعسفكم وسلبيتكم بصورة تدعو الى الأسف والألم معاً. وقد اسمح لنفسي ان أذكركم بما يلي:

1 ـ طيلة السنة الماضية، بكل احداثها ومفاجآتها، لم يصلني منكم حرف واحد يتضمن اي توجيه سياسي أو تعليمات ادارية أو دعائية.

2 ـ طيلة السنة الماضية، بكل ما فيها، لم يصلني منكم اي رد على اي تقرير من عشرات التقارير التي بعثت بها اليكم الى القاهرة ونيويورك.

3 ـ رفعت اليكم مجموعة تقارير مفصّلة، عن حالة الهوان والضعف والجمود التي احاطت وما زالت تحيط بمكاتب الجامعة العربية في كل من لندن وجنيف وبون، وبينت لكم بالتفصيل والاسماء والادلة، المآخذ والعيوب في اعمال تلك المكاتب ووضعت امامكم المقترحات للعلاج المطلوب. ولكنكم بدلاً من دراسة تلك التقارير والمبادرة الى التحقيق والتصرف، اخذتموني عندما التقيت بكم في القاهرة في الشتاء المنصرم، باللائمة على مسؤوليتي في اعداد تلك التقارير.. وكأنه كان علي ان اقبل بجمود تلك المكاتب وتخاذلها وضعف انتاجها، لكي ارضيكم! 4 ـ شكوت اليكم مرارا وتكرارا من اهمال مكاتبكم في الخارج لقضية فلسطين التي هي قضية قضايا العرب.. وشكوت اليكم من الدس واللؤم الذي واجهته من مديري مكاتبكم بسبب حرصي على إبراز تلك القضية قبل غيرها. ولكنكم بدلا من اجراء التحقيق وحماية شخص بعثتم به للعمل الوطني الواسع، رأيتكم تلتزمون الحياد والسلبية وكأن الأمر لا يعنيكم! 5 ـ رفضتم التدخل لإدراج اسمي على اية لائحة دبلوماسية لاية دولة عربية في الخارج يكون فيها حمايتي من الاجراءات البوليسية التعسفية التي تمارسها الدول الاجنبية ضد كل عربي جاء ليعمل لبلده، وبذلك اردتم تعريضي للضياع والتشرد والملاحقة، وتعريض جواز السفر الدبلوماسي المصري الذي احمله للهوان والمذلة.

6 ـ شرحت لكم ما يتطلبه عملي المتنقل من نفقات باهظة، وما يحتاج اليه من بدل تمثيل، وان ليس من المعقول ان اتنقل في أوروبا من فندق الى فندق، ومن بلد الى بلد، وان ادعو الصحفيين والمسؤولين، وان احتفي بالزعماء والرسميين كجزء لا يتجزأ من عملي، كل ذلك على حسابي الخاص. ولكنكم رفضتم تخصيص مليم واحد زيادة على الراتب المقطوع بحجة الضغط المفروض على ميزانية الجامعة العربية. وقد اطلعت بالتفصيل على نفقات جميع موظفي جميع مكاتبكم في الخارج، ويؤسفني ان أؤكد لكم بأن اسطورة الضغط على الميزانية لم تمارس الا ضدي.. وحدي! 7 ـ لقد تقصدتم بإصرار مؤسف، تأخير تحويل راتبي لمدة شهور طويلة كاملة عن موعده المحدد في نهاية كل شهر. وقد تكرر ذلك في نهاية كل شهر طيلة مدة عملي معكم.. وكان الهدف من وراء ذلك مؤسفا وواضحا..

سيادة الامين العام..

ليس بالعجيب ان تتخذوا مني مثل هذه المواقف الشاذة وقد سبق لي ان تناولت بحكم عملي الصحافي طيلة الاعوام الماضية، مآخذ الجامعة العربية، وفسادها، وعيوبها، وفضائح موظفيها،... ولكني كنت أرجو حيال الرعاية الكريمة التي خصني بها مقام الرئاسة المصرية الجليلة في التوصية بي لديكم، ان ترتفعوا ـ ولو قليلا ـ الى مستوى المسؤوليات الكبرى، وان اجد عندكم بعد انضمامي الى صفكم، الشفاعة التي استطيع معها ان امارس عملي معكم باطمئنان وراحة...

سيادة الأمين العام..

...رغم كل ما تقدم، ورغم الصعاب التي وضعت في طريقي منكم، فقد استطعت ـ بكل فخر ـ ان اقوم بواجبي في خدمة قضيتي وبلادي في مختلف عواصم أوروبا الغربية. لقد قابلت معظم زعماء الغرب ورجال صحافته واركان الرأي العام فيه ونشرت قضيتي على اوسع مدى واستطعت ان افسد الكثير من مناورات الصهيونية ودسائسها والاعيبها، ودفعت الاذى عن سمعة رجالات بلادي وشرحت آراءهم وحقيقة مواقفهم وارضيت الله والضمير. لقد زرت بريطانيا والمانيا الغربية والشرقية، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، وايطاليا، والقيت الخطب ونشرت المقالات واعددت الردود.. وكل ذلك بدافع شخصي فرضه علي القدر بأن أكون ابن نكبة، وتلميذ وحدة، وصاحب رأي. ولن يزيدني ما تحملته منكم من اذى الا الاصرار على خدمة بلدي وقضيتي خارج نطاق الجامعة، وفي كل ميدان عام..».

« ..واني اذ ابعث اليكم باستقالتي من عملي، ادعو الله ان يهيء للجامعة العربية من ينهض بها، ومن يزيل عنها رواسب الثلاثين سنة الماضية، وان يوفقني للعودة الى عملي المشرف الذي استطيع به ان اواصل التنعم برضى الله والوطن دون ما احقاد، ولا صعاب..

واقبلوا لاحترام.».امضاء: ناصر الدين النشاشيبي ـ نسخة الى مقام رئاسة الجمهورية العربية المتحدة ـ نسخة الى وزير خارجية ج.ع.م. القاهرة.

ـ نسخة الى ممثل السيد جمال عبد الناصر في الجامعة العربية.

واسقط في يد السيد أمين الجامعة العربية! ومرة أخرى، رفع حسونة سماعة التلفون، وطلب هيكل في مكتبه بدار «الاهرام» بالقاهرة لكي يقول له بأن أحدا لم يجرؤ في التطاول على مقام الامين العام، واهانته، كما فعل «فلان..».

وتابع حسونة لهيكل: «لقد قررت ان اتجاهل وصول هذه الاستقالة، وان ابعث لصاحبها بكتاب مستعجل يتضمن امر انهاء خدماته في الجامعة!!» وقهقه هيكل وصاح:

ـ النتيجة واحدة! وصاح حسونة:

ـ «لا يا سيدي.. لا! انا سأتجاهل كتاب استقالته وسأبعث اليه بالاقالة! اريد ان انتقم منه! ..ارجوك ان تنقل لسيادة الرئيس تفاصيل هذه الاهانات التي الحقها بي من سبق لكم واوصيتم به..».

وفوجئت ـ بعد مرور اسبوع كامل من تقديم استقالتي ـ بكتاب يصلني على عنوان فريد اختاره امين الجامعة لكي يضمن وصوله لي..

العنوان هو: دار بنك شركة البنوك السويسرية - جنيف..

وفوجئت بأحد موظفي البنك المذكور يتصل بي لكي يقول لي بأن هناك رسالة مستعجلة تنتظرني في ادارة البنك..

لماذا لم يرسل الامين العام، رسالته الى عنواني الشخصي؟! لماذا لم يرسلها الى مكتب الجامعة العربية في جنيف؟

لماذا لم يرسلها الى عنوان ادارة البعثة المصرية في جنيف، أو الى عنوان اية بعثة عربية أخرى.. في اية عاصمة أوروبية..

اسئلة لا يملك الرد عليها الا السيد امين الجامعة العربية..

وذهبت الى ادارة البنك، وتسلمت رسالة أمين الجامعة العربية.

فإذا بها تقول بالحرف:

السيد فلان..

تحية طيبة وبعد، اود ان احيطكم علماً بأن المدة المحددة للمهمة الموكلة اليكم حسب ما تضمنه القرار رقم 71 لسنة 1965، ستنتهي قريبا، واصبح من المتعذر تمديدها لفترة اخرى نظرا للظروف المالية الصعبة التي تجتازها الامانة العامة. وبهذه المناسبة يسرني بحق ان اشيد بالمجهودات القيمة التي بذلتموها اثناء قيامكم بهذه المهمة والتي تستحقون من اجلها كل شكر وتقدير وثناء راجيا لكم دوام التوفيق.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

امضاء: الامين العام عبد الخالق حسونة وهكذا.. انتهت التمثيلية!