إشارة ديربان

TT

ما يحدث في مؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية في جنوب افريقيا يجب ان يخضع لدراسة وتمحيص من قوى السلام الاسرائيلية، اذا كانت هذه القوى ما زالت موجودة في المجتمع الاسرائيلي.

فمنذ سنوات طويلة لم تكن اسرائيل، التي حققت مكاسب سياسية كثيرة من عملية السلام مع الفلسطينيين، بهذه العزلة الدولية، وتتعرض حكومتها لادانات متوالية حتى من قوى صديقة لها في الغرب خاصة في الاتحاد الاوروبي، والمنطق يقول اذا كانت هناك قوى سياسية تفكر بموضوعية داخل المجتمع الاسرائيلي فلا بد ان يكون هناك شيء خطأ يجب وقفه بدلا من الاستسلام لالقاء اللوم على الفلسطينيين.

ويستغرب المرء هذه الاحتجاجات الصادرة عن الوفد الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية بعد الادانة التي حدثت من 3 آلاف منظمة غير حكومية على هامش المؤتمر الرسمي والتي دمغتها بممارسة سياسات عنصرية تجاه الفلسطينيين، خاصة محاولة المسؤولين الاسرائيليين اعتبار ذلك جزءا من حملة ضد السامية وانكار حق اسرائيل في البقاء.

والسؤال هو: من الذي ينكر حق الاخر في الوجود، هل هم الفلسطينيون الذين يتعرضون للاغتيالات والقصف والقتل يوميا، ام الاسرائيليون، القوة المحتلة التي لا تكتفي بمجرد محاولة السيطرة على ارض ليست لها، بل تحاول تغيير الامر الواقع بمد مستوطنات او مستعمرات في اراض ليست لها، وليست خالية من السكان.

ومن خلال رصد استطلاعات الرأي والشواهد التي تشير الى ان الرأي العام الاسرائيلي يتجه اكثر فاكثر نحو اليمين، وتحبيذ الحلول المتشددة والعسكرية مع الفلسطينيين، يبدو ان حكومة شارون استطاعت ان تختطف الشارع الاسرائيلي، وان تحجم معسكر السلام داخله لصالح اطروحاتها، وهي ليست جديدة او وليدة اليوم بل هي افكار وسياسات معروفة لليمين الاسرائيلي الذي يمثله شارون والذي لم يعترف قط بعملية السلام مع الفلسطينيين، وكان يرى فيها خسارة.

ونفس الشيء يحدث داخل الشارع الفلسطيني الذي اصبح يميل اكثر فاكثر الى المواجهة بدلا من التفاوض، وله عذره في هذا، فهو الذي يتعرض للقمع يوميا وهو الذي يتعرض للحصار والقصف والظروف المعيشية المأساوية، ومكاسبه من عملية السلام منذ اوسلو ضئيلة، بينما لا يوجد عذر لدى الاسرائيليين.

ويعني هذا انه اذا اريد اطلاق عملية السلام من جديد، فان الخطوة الاولى يجب ان تكون من قبل الاسرائيليين باعتبارهم الطرف المحتل، والا فان المواجهة ستدخل تطورات اكثر تعقيدا، خاصة ان ما حدث طوال الـ11 شهرا الماضية ترك حواجز نفسية وحالة عدم ثقة ستحتاج فترة طويلة من اجل تجاوزها.

والحصار الذي تتعرض له اسرائيل في ديربان هو اشارة لها بان هناك ثمنا سياسيا ستدفعه اذا استمرت في السياسات الحالية لحكومة شارون تجاه الفلسطينيين.