نظرة الغرب للصين .. ونظرة الصين لنفسها

TT

في أطروحته الشهيرة «صدام الحضارات»، توقع صامويل هنتنغتون، أن تقود الصين في القرن الواحد والعشرين محور الصدام مع الغرب، وأن تحالفاً قوياً سوف ينشأ بينها وبين الدول الإسلامية لمواجهة أمريكا وأوربا وغيرهما من الدول الغربية. وسبب ذلك هو أن أمريكا المنتصرة في الحرب الباردة والمدعومة من العالم الغربي، سوف تسعى لفرض هيمنتها على العالم وأن الصين والعالم الاسلامي سوف يرفضان هذا الوضع وسوف يعملان معا على مواجهة النفوذ الأمريكي في المناطق التي تمس مصالحهما الوطنية والاستراتيجية.

ولقد تطورت في الغرب في ضوء أطروحة هنتنغتون رؤية متطرفة ترى أن الصين والدول الاسلامية سوف تتحديان وتواجهان المصالح الامريكية في آسيا وافريقيا. وبما أن دول العالم الاسلامي لا تخضع لكيان سياسي واحد، ولأنها متباعدة جغرافياً وأضعف عسكرياً واقتصادياً من الصين، فلقد تركز اهتمام أمريكا في السنوات الأخيرة على فهم الصين وعلى التعامل مع القوة الصينية من دون أن تهمل قدرات الدول الاسلامية التي يمكن ان تتحالف مع الصين. وتطورت نتيجة تركيز أمريكا على بكين نظرتان مختلفتان في واشنطن عن الصين، نظرة ترى أن الصين تتجه بالتدريج لكي تكون عدوة امريكا الجديدة في العالم، وتسعى لكي تصبح القوة العظمى الجديدة المنافسة لأمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.

وترى النظرة الأخرى بالمقابل ان الصين تريد فقط ان تلعب دوراً رئيسياً في النظام الدولي ينسجم مع حجمها وقوتها ومركزها في العالم، وتسعى لمشاركة أكبر في الثروة العالمية ولدور أوسع في الاقتصاد الدولي. وما زال هناك بعض المحللين السياسيين والاستراتيجيين الأمريكيين الذين يعتقدون بأن روسيا بما تملكه من ترسانة أسلحة نووية وليس الصين هي التي ما زالت تشكل الخطر الأكبر على الأمن الوطني الأمريكي. ولقد تم التعبير عن هذه النظرة بشكل واضح في مقالة نشرتها مجلة News Week الأمريكية قبل عدة أشهر. ويدعو أصحاب هذه النظرة إلى زيادة حجم التبادل التجاري للدول الغربية مع الصين التي تسعى بدورها للانفتاح على الغرب.

وإذا عدنا الى فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ»، نجد أنه أقرب الى النظرة الثانية من النظرة الأولى، فهو لا يعتقد بأن الصين يمكن أن تشكل أي خطر عسكري أو ايديولوجي أو اقتصادي على الغرب الديمقراطي الرأسمالي، وأنه يمكن للصين أن تطور اقتصادها على المستويين المحلي والعالمي اذا تخلت عن الشيوعية وتحولت الى الديمقراطية الغربية الرأسمالية، وإذا حافظت بالمقابل على شيوعيتها فسوف تصل الى المرحلة التي يصبح فيها الاقتصاد الصيني عاجزا عن النمو. وان حاولت الصين في ذلك الوقت ان تتحدى العالم الغربي فسوف تواجه نفس مصير الاتحاد السوفيتي السابق.

ويمكننا أن نلاحظ وجود بعض التشابه بين نظرة فوكوياما في هذا الجانب ونظرة تشانغ عن الانهيار القادم للصين والتي اشرت اليها في مقال الأسبوع الماضي.

هاتان هما النظرتان الأمريكيتان الغربيتان المختلفتان عن الصين، ولكن ماذا بشأن الرؤية الصينية نفسها؟، وبعبارة أخرى، ما هو تصور القادة الصينيين لدور الصين القادم في العالم؟

يتفق الخبراء على أن للقادة الصينيين توقعات كبيرة لمستقبل الصين وأنهم يحرصون كثيرا على التذكير بماضي الصين العظيم.

فطلاب الصين يتعلمون في المدارس بأن امتهم قد لعبت دوراً كبيراً ومهماً في التاريخ الانساني خلال الـ 5000 سنة الماضية، كما لعبت دوراً مسيطراً في العالم في ثلاث فترات في تاريخها (220 ق.م ـ 9م) و(618 ـ 907م) و(1368 ـ 1644م) مشابها لدور الامبراطورية الرومانية في أيام مجدها وعظمتها. ويتم التأكيد الآن على أن الصين سوف تلعب دوراً رئيسياً مؤثراً في العالم يذكر بأيامها الغابرة.

والصين التي تتطلع الى مستقبل عالمي قوي ومشرق تنظر الى ماضيها لكي تستلهم منه الأسس المعنوية لقوتها وازدهارها. فالصين كما يعتقد قادتها وابناؤها سوف تلعب في القرن الواحد والعشرين دوراً رئيسياً في النظام الدولي، خاصة في ما يتعلق بعلاقة الشرق بالغرب.

هذا الطموح في نظرة القادة الصينيين لمستقبل بلادهم ودورها على الصعيد العالمي يخيف بعض المحللين والقادة السياسيين في الغرب، وان تشبيه القادة الصينيين لماضي بلادهم بماضي الامبراطورية الرومانية والتركيز على فترات القوة والتوسع في تاريخ الدولة الصينية القديمة قد يتضمن كما يعتقد البعض على نزعة امبريالية مستترة لدى قادة بكين، لكن هذا التخوف مبالغ فيه وغير صحيح كما يمكن الحكم من بعض المعلومات والنقاط التي يتضمنها كتاب براهم (قرن الصين). فالكتاب يبرز أهمية مسألة تفاعل الصين مع العالم في الشرق والغرب والعلاقة بينهما.

ويبين مؤلف الكتاب براهم بأن اهتمام الصينيين الأول في علاقة بلادهم بالعالم هو ازدهارهم وتقدمهم ومشاركتهم في قيادة العالم بالشكل الذي يتناسب مع حجم الصين ودورها التاريخي في الحضارة الانسانية، والازدهار بالنسبة للصينيين، كما يوضح براهم لا يعني القوة العسكرية، فعندما يتحدث الصينيون عن دور قوي للصين في مواجهة الغرب فإنهم لا يقصدون ولا يريدون لهذا الدور أن يكون دوراً مشابهاً لدور الاتحاد السوفيتي السابق في مواجهة أمريكا. ولتوضيح هذه النقطة يقول براهم إن كتاب «قرن الصين» الذي أشرف على إعداده وتحديده يضم مجموعة مقالات شارك في كتابتها عدد من المفكرين والسياسيين من الصين ومن بعض الدول الغربية الصناعية، وأن عنوان الكتاب الرئيسي والفرعي كما كان مقترحا هو: (قرن الصين: القوة العظمى القادمة في العالم)، ولكن الرسميين الصينيين المعنيين بالكتاب اعترضوا على اللهجة الاستفزازية التي وردت في عنوان الكتاب الفرعي، وهو الأمر الذي أدى إلى تغييره إلى العنوان التالي: (قرن الصين: صحوة القوة الاقتصادية القادمة). وأثناء المواجهة الإعلامية بين أمريكا والصين في شهر مايو السابق بعد اسقاط طائرة التجسس الأمريكية EP.3E، قال أحد الإعلاميين الصينيين البارزين إن اهتمام الصين كما يمكن قراءته من تاريخها الطويل ينصب على ازدهارها وتقدمها، وإن الأمريكيين يفخرون بقيامهم بمهمة بوليس منطقة الباسفك، أما الصينيون فإنهم يفخرون بخطوات توجههم نحو الازدهار ونحو يقظة أمتهم العظيمة. وبالرغم من موقف الصين المتشدد في تايوان وتحديها لأمريكا في المنطقة، إلا أن الصين لا تسعى إلى التفوق العسكري وإنما تسعى للمحافظة على كرامتها وسيادتها كما تسعى للحصول على احترام العالم. ولكي تتمكن الصين من المضي قدما في تحقيق ازدهارها، فإنها تهدف الآن إلى مضاعفة حجم اقتصادها خلال عقد من الزمن. ولهذا فإن الصين، كما يعتقد البعض، لا تسير نحو المستقبل بل تطير إليه طيراناً. ويعلم القادة الصينيون جيدا أن الصين لن تتمكن من تحقيق اهدافها الاقتصادية الطموحة من دون الانفتاح على العالم والاندماج بالاقتصاد العالمي وزيادة الاستثمارات الأجنبية. ويعمل قادة الصين على المضي قدما في هذه التوجهات الثلاثة، وخلال سنوات سعيها لدخول منظمة التجارة العالمية، ادركت بكين أن عليها قبول الانماط والأسس التجارية والقانونية العالمية، حتى لو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالصناعات الصينية المحلية. وتسعى الصين ايضا لجذب الاستثمارات الخارجية بمختلف الطرق ووسائل التسهيلات الممكنة، ولا يجد الصينيون صعوبة في قبول فروع ماكدونالد وتلفونات نوكيا بنفس الطريقة التي قبل بها الغرب انتشار المطاعم الصينية وطرق المعالجة بالإبر الصينية.