«العمل الإسرائيلي» بلا... عمل

TT

اول المستفيدين من الفوضى التي اسفرت عن نتائج انتخابات زعيم جديد لحزب العمل الاسرائيلي، كان ارييل شارون رئيس الوزراء. فهو بعد وصوله من موسكو حيث اثنى على الرئيس فلاديمير بوتين لأنه يعتبر «محاربة الإرهاب في العالم من ابرز اولويات سياسته»، اعلن ان مفاوضات السلام مع الفلسطينيين يمكن استئنافها «اذا ما تم استبدال ياسر عرفات»! الارتباك اصاب حزب العمل ـ الذي يحاول ان يلملم شتاته منذ هزيمة ايهود باراك ـ فوسّع مدى الفراغ بحيث سمح لشارون ان يفرد تحدياته اكثر واكثر. لكن ليس الفراغ السياسي وحده الذي دفع بشارون لتغيير شروط لعبة المفاوضات، إذ ان كل المراقبين السياسيين في اسرائيل اكدوا ان «مرشح شارون وبيريز ايضا» وزير الدفاع بنيامين بن اليعازر هُزم بفارق بسيط لا يتجاوز 1.5%، إذ نال منافسه ابراهام بورغ 50.1% من الاصوات مقابل 48.6% حصل عليها بن اليعازر، وكان لوحظ ان نسبة المقترعين فاقت التوقعات إذ ادلى 61.2% بأصواتهم (اي 71.508 من مجموع 100 ألف ناخب).

بن اليعازر، الذي كان اعد كل اللازم لاقامة احتفال «بمناسبة فوزه»، رفض النتائج مدعيا حدوث تزوير بالاصوات لا سيما لدى الناخبين الدروز، واتهم النائب جميل طريف بأنه أمر الدروز بمنح ثلثي اصواتهم لبورغ والثلث الأخير لصالح بن اليعازر! الآن، اذا تم تثبيت بورغ زعيما جديدا لحزب العمل، فهناك احتمال كبير بان ينسحب الحزب من حكومة «الوحدة الوطنية»، فهو من مؤيدي استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، ثم انه يرغب في اعادة بناء حزب العمل ليصبح البديل الحقيقي لسياسة شارون اليمينية، واذا تم تثبيت بورغ زعيما لحزب العمل، انتهت كل طموحات بن اليعازر السياسية، وهو الذي كان من ابرز المؤيدين لسياسة شارون ضد الفلسطينيين، وبالطبع كان يطمح ان يخلفه في رئاسة الحكومة في المستقبل. فالرأي العام الاسرائيلي المحبذ الآن لسياسة القمع والقصف ضد الفلسطينيين لن يتردد في انتخابه في المستقبل، ليواصل تلك السياسة، اذا ما اطاح الليكود بشارون زعيما له في انتخاباته الحزبية في شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

لقد جرت انتخابات حزب العمل والحزب يمر في اصعب مرحلة في تاريخه، فالحزب الذي حكم اسرائيل في سنوات بدايتها الحاسمة، فقد الآن معنوياته وتوجهه، وقد بدأت الضربات تنهال عليه مع اغتيال اسحق رابين وعجز «منظره الأول» شيمون بيريز عن تحويل «احلامه الباهرة» الى واقع، وفشل ايهود باراك في ان يقنع الجانب الفلسطيني بأن اقتراحاته «السخية» هي بداية شراكة بينهما وليس منة اسرائيلية، ومع دخول الحزب في تحالف وطني مع حكومة يترأسها ارييل شارون بالذات، صارت اسرائيل ـ الدولة الديمقراطية ـ من دون معارضة سياسية ومن دون صوت سياسي شرعي يدعو الى السلام.

هناك من يقول ان «الانتفاضة» ساهمت في القضاء على الحمائم في حزب العمل، لكن مشكلة الحزب، حتى قبل هزيمة باراك، كانت في اعتماده على المراوغة والرياء والكلام المعسول، في حين انه في الحقيقة كان اكثر تشددا من اليمين الاسرائيلي. ففي ظل حكومات حزب العمل ازداد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهو اول من مارس سياسة «القبضة الحديدية»، والآن وبعد ان اضاع حزب العمل طريقه وتجاوز ايديولوجية السلام ولم يعد لديه هدف واضح، سابق شارون في تأييد سياسة الاغتيالات وجرف المنازل ومعاودة الاحتلال ولو لأيام... ثم ان ابرز منظريه، شيمعون بيريز، شجع اصدقاءه في الولايات المتحدة على المساهمة في انجاح بن اليعازر ليصبح زعيما للحزب، وهو الذي لا تختلف سياسته عن سياسة شارون، وقد رفض مساء الاربعاء الماضي الاعتراف بفوز بورغ، حليفه السياسي السابق.

وحده يوسي بيلين يؤيد بورغ بقوة على امل ان يعملا معا لاعادة الحزب الى المعارضة، وهذا ما يثير حفيظة بيريز الذي يعتقد ان سياسة شارون ستؤدي الى السلام في حين يرى بيلين ان تلك السياسة ستؤدي الى الحرب.

حتى لو ثبت فوز بورغ، فمن المستبعد ان يعود حزب العمل قريبا الى الحكم في اسرائيل، فطالما ان الصراع بين الفلسطينيين ـ والاسرائيليين مستمر، فان شارون باق رغم انه لا يملك اجوبة للسلام، لأن السلام غير مرحب به الآن، كما يبدو من جميع الأطراف.