شارون يستغل العمليات الإجرامية في أميركا

TT

اصيبت الولايات المتحدة بكارثة لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر. وهي كارثة وان شبهها بعض الكتاب والمحللين الاميركيين، بضربة بيرل هاربور، الا انها اقسى بكثير وابعد تأثيرا بكثير ولها دلالات على ما سيواجهه المجتمع الاميركي مستقبلا. اطفال مدارس يستخدمون الاسلحة الرشاشة لقتل زملائهم ومعلميهم، هذا ما حصل في الولايات المتحدة، ولم يحصل في اي مكان آخر. ولم يحصل مرة واحدة، بل حصل مرات متعددة والعدوى تنتشر. في الولايات المتحدة اعدم قبل فترة تيموثي ماكفي منفذ عملية تفجير بناية FBI في اوكلاهوما التي ذهب ضحيتها المئات من المواطنين الاميركيين. وقال المنفذ اثناء المحاكمة، انه كان يستهدف «النظام الاميركي غير العادل».

وقبل عدة سنوات قام الجيش الاميركي والحرس الوطني بتطويق وحصار مركز لفريق ديني (قورش)، كان يعيش هو واتباعه ضمن مجمع كبير في واكو ويمارسون طقوسهم حسب ما يريدون ضمن هذا المجمع. واستمر الحصار والتطويق والمعركة العسكرية مدة طويلة. وانتهى الامر بانتحار جماعي لتلك الفئة.

وفي اليابان قامت فئة شاذة باطلاق الغازات السامة في انفاق القطارات لتقتل الابرياء، لانها تعتقد ان يوم القيامة قد أتى.

وفي القدس تجمع مئات من الاميركيين الذين اعتقدوا ان نهاية عام 1999 هي نهاية العالم، وان تدمير المسجد الاقصى هو اعلان هذه النهاية. جاءوا ليدمروا الاقصى حتى تصدق مزاعمهم. جنون مجتمعات الاستهلاك والتقدم التكنولوجي ومجتمعات ما فوق الاشباع. وفي اسرائيل، تتصارع مافيا غسيل العملة في مقاهي تل ابيب وعلبها الليلية. ويقصف بعضها البعض بالقنابل، وتشن هذه المافيا حرب ارهاب منظمة ضد المجتمع باكمله.

إن محاربة الارهاب اصبحت ضرورة خاصة مع تنامي الاشباع في المجتمعات المصنعة والغنية وما يفرزه هذا الاشباع من امراض، ومع تنامي الفقر في الدول التي تعيش اغلبية شعوبها تحت حافة الفقر بعد ان افقدها الاستعمار القديم والاستعمار الحديث كل مقومات الصمود والنمو. لكننا نسارع للقول إنه بغض النظر عمن ارتكب هذه الجريمة النكراء فان الحكومة الاسرائيلية وجدت وستجد فيها غطاء كافيا لتصعيد هجماتها الارهابية ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما بدأ تنفيذه، وسيعمل غلاة اليمين في الحكومة الاسرائيلية وقيادة الجيش الذي يحاول ان يمحو آثار هزيمته في جنوب لبنان.. سيعمل هؤلاء على تصعيد الاعتداءات وعلى بدء ضم اجزاء كبيرة من الضفة الغربية لاسرائيل، وذلك تحت شعار اقامة مناطق عسكرية عازلة بين الضفة الغربية واسرائيل. وسيقوم الجيش الاسرائيلي، إن سنحت له الفرصة، بتهجير عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين خارج ارضهم وبيوتهم تحت حجة اقامة المناطق العسكرية. وبالرغم من اعلان الجيش انه سيصدر تصاريح خاصة تمكن اصحاب الاراضي المصادرة من فلاحة وزراعة ارضهم لمدة ثماني ساعات من ساعات النهار على ان يغادروا بعدها الارض ويبتعدوا خارج المنطقة.. على الرغم من ذلك فان هذا الامر لن يطبق وسيمنع اصحاب الارض من العودة اليها تدريجيا وستطلق النار عليهم بحجة الاشتباه فيهم.

هذا ما ستفعله الحكومة الاسرائيلية، وقد بدأت بالفعل في تطبيق هذه الخطة في جنين وعرابة وطمون، ويعبد في شمال الضفة الغربية. وهذه منطقة غاية في الحساسية كونها الاقرب في خاصرة اسرائيل، من البحر، والاقرب للمدن الاسرائيلية الساحلية الغاصة بالسكان. لكننا نأمل ألا يحصل هذا.

اما اذا ثبت ان لعرب او اسلاميين ضلعا في عمليات التدمير الارهابية في نيويورك وواشنطن، فان شارون وحكومته سيشعران بالحرية التامة للقيام بعمليات اوسع ليس ضد الفلسطينيين فقط، بل ضد دول بعيدة كايران والعراق وحتى باكستان. ذلك ان حكومة اسرائيل حسب اعتقادها تكون قد خدمت اهدافها وكسبت الجولة نهائيا في مواجهة تأثير النفط العربي على السياسة الاميركية. لقد اصبح واضحا ان التوصل للحقيقة فيما يتصل بالعمليات الاجرامية القاتلة، في نيويورك وواشنطن، ليس امرا سريعا. وعلى الرغم من مراهنة اسرائيل على ان يكون مخطط العملية هو اسامة بن لادن فان الامر لن يكون دقيقا الا بعد تقديم براهين على ذلك. لكن، الى ان تقدم البراهين ستستمر اسرائيل في حقن الرأي العام الاميركي ضد العرب والمسلمين وستستخدم كافة الحيل والالاعيب التي نعرفها جيدا، والتي للأسف تنطلي على المواطن الاميركي العادي.

اما فيما يتصل بما يجري على الارض الفلسطينية فالامر مختلف، اذ على الفلسطينيين ان يتصدوا للغزوات الاسرائيلية، وفي الوقت ذاته علينا جميعا عربا وفلسطينيين ان نشحن الهمم لنهزم الخداع الاسرائيلي.. وهذا ممكن لا بل يجب ان يحصل. وسأعطي مثالا على ذلك:

قررت وزارة الخارجية الاسرائيلية توزيع اكثر من ربع مليون شريط فيديو في العالم يظهر فلسطينيين يحتفلون بتفجير مركز التجارة العالمي. والحقيقة ان الافلام صورت لبعض الصبية البعيدين كل البعد عن الابعاد السياسية والانسانية لهذه الاعمال الاجرامية. لكن اسرائيل قررت استثمار ذلك لالصاق صورة مرسومة بالرعب والارهاب للفلسطيني، سواء كان بالغاً أم قاصراً في ذهن الرأي العام العالمي، والاميركي تحديدا. في المقابل لم تعر الفضائيات العالمية اهتماما لمسيرة حملة الشموع من الفلسطينيين (اطفالا ونساء ورجالا) التي توجهت الاربعاء الماضي نحو القنصلية الاميركية في القدس للتعبير عن مشاركة الفلسطينيين للاميركيين الحزن على ضحاياهم. كذلك لم تعر تلك الاجهزة الاعلامية المعادية اهتماما للطابور الطويل الذي اصطف وراء الرئيس ياسر عرفات للتبرع بالدم بالرغم من نزيف الدم الفلسطيني على يد الارهابيين الاسرائيليين. لذا نرى ان المطلوب في هذه المرحلة الدقيقة هو ما يلي:

1 ـ ترتيب حملة اعلانات سياسية في كافة الصحف الاميركية، خاصة تلك الصحف التي يقرأها سكان البلدات المتوسطة الحجم وذلك للتعبير عن حزن العرب وتضامنهم مع الاميركيين.

2 ـ ترتيب بث الاشرطة (كاعلان اذا لزم الامر) في التلفزيونات الاميركية حول مسيرة الشموع والتبرع بالدم الفلسطيني وصلاة المسلمين والمسيحيين على ارواح الذين قتلوا ودعواتهم للمفقودين بالنجاة.

3 ـ سلسلة اعلانات حضارية الشكل والمضمون حول تعريف المستوطنات والمستوطنين وكونهم سبباً رئيسياً من اسباب المشكلة.

4 ـ اعلانات متسلسلة حول معاناة الفلسطينيين في مواجهة الارهاب الاسرائيلي، تبين كم طفل قتل، كم شجرة اقتعلت، كم بيت دمر من قبل الجنود الاسرائيليين، كم هي مساحة الارض التي تنازل عنها الفلسطينيون وكم تبقى لهم، وكم يستهدف شارون مصادرة مزيد من الارض الفلسطينية.

إن في الولايات المتحدة العديد من المؤسسات العربية القادرة على القيام بهذه النشاطات في حال تقديم جامعة الدول العربية او دول عربية المال اللازم لمثل هذه الحملة.

اما اذا بقي الميدان خاليا للاسرائيليين فسيلحق ذلك بنا اضرارا استراتيجية بعيدة المدى.