دور ضروري لعلماء المسلمين في نزع فتيل القنابل البشرية

TT

قبل ما يزيد عن عشرين عاما تقريبا، جاء ويليام كيسي، مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية آنذاك، صباح يوم احد، الى منزلي لتناول القهوة. سألني كيسي ما اذا كان لدي خارطة لافغانستان، ثم وضع الخارطة على الطاولة واشار الى موقع افغانستان باصبعه وراح يشرح الغرض الاستراتيجي للسوفيات من وراء الاهتمام بهذا الجزء من العالم.

من الواضح ان استراتيجية موسكو كانت قائمة على غزو افغانستان اولا، ثم السيطرة على باكستان المجاورة، ومن ثمن تحقيق الحلم القيصري بفتح الطريق صوب المحيط الهندي، وبالتالي تحقيق الانتصار الشيوعي في الحرب الباردة. وللوقوف في وجه مخططات موسكو، دعمنا الافغان سرا باقامة معسكرات لتدريب الافراد على حرب العصابات، وزودناهم بأسلحة مضادة للطائرات. وبفضل مساعداتنا السرية، وتدريب المتطوعين المسلمين الذين توافدوا من كل الارجاء، ومنهم شاب سعودي يدعى اسامة بن لادن، اذهل الافغان العالم بنجاحهم في كسر ارادة الجيش الاحمر.

وفي نهاية المطاف تحققت الاستراتيجية الرئيسية التي تبنتها الولايات المتحدة في الجزء الاخير من الحرب البادرة، إذ نجحت بالفعل عمليات تدمير معنويات الجيش السوفياتي، وكانت هزيمته وانسحابه من افغانستان بمثابة بداية النهاية لسقوط امبراطورية الشر. غير ان التطورات اللاحقة في المنطقة ادت الى نشوء عدد من الجماعات الاسلامية المتطرفة.

بعد ما حدث في نيويورك وواشنطن بادر العديد من رجال الدين المسلمين الى التأكيد على ان الدين الاسلامي ابعد ما يكون عن التطرف، ونأوا بالاسلام عن ظاهرتي العنف والتطرف. كما ان المجموعات ذات الصلة بالجالية العربية الاميركية اكدت في عدد من الاعلانات على ادانتها للجريمة التي استهدفت نيويورك وواشنطن الاسبوع الماضي، وعبرت عن تعازيها لذوي الضحايا.

بيد ان في استطاعة المسلمين عمل ما هو اكثر من ذلك. ترى، ما هما اكثر سلاحين فعالين يملكهما الارهابيون؟

اولا، هناك عنصر المفاجأة. وهذا سلاح يمكننا اضعافه بالمزيد من المراقبة والرصد على نحو اكثر دقة، الى جانب النظم الدفاعية الصاروخية والبيولوجية.

ثانيا، وهذا هو السلاح الاكثر فعالية لدى الجماعات الاسلامية المتطرفة، هناك عنصر القدرة على غسل ادمغة الاعضاء ودفعهم للتخلص من الرغبة في الحياة، فإذا بغريزة البقاء الطبيعية تُزال تماما لتحل محلها تعبئة محشوة بخيال زائف يستخدم النص الديني.

إن هذا التحريف للدين الاسلامي، الذي يعتبر من اعظم الاديان، ساعد في تزايد ظاهرة العنف والهجمات الانتحارية. والسؤال الآن هو: كيف يمكن بناء دفاعات قوية في مواجهة عمليات غسيل الادمغة التي ولّدت ظاهرة العنف الانتحاري؟

هذا، على وجه التحديد، هو التحدي الذي اصبح يواجه علماء الدين المسلمين في كل مكان. فهؤلاء في حاجة حقيقية الى بذل كل جهد ممكن، سواء كان ذلك داخل المساجد او خارجها، كما يفعل البعض في الوقت الراهن، لتفنيد المزاعم والآراء المتطرفة التي تمثل تحريفا للدين الاسلامي والتي تدعو للعنف.

ان علماء الدين في العالم الاسلامي يجب ان يوضحوا لعناصر العنف والتطرف حقيقة تعاليم الدين الاسلامي التي تحرم قتل الابرياء، ويجب ان يبصرونهم بمغبة ارتكاب هذا الذنب. ولا شك في ان التذكير بغضب الله ازاء ارتكاب مثل هذه الاعمال يتطلب من علماء الدين المسلمين شجاعة كبيرة.

إن لكل دين شبكة الاتصالات الخاصة به، ولا شك في ان التفنيد القوي والجاد للمزاعم التي تدعو للتطرف والعنف على اساس ديني، ثم نشر هذا التفنيد بكل اللغات وفي مختلف ارجاء العالم، سيساعدان بصورة فاعلة في زرع بذور الشك في اذهان الانتحاريين التي يسيطر عليها التضليل. ان التحذير من مغبة العقاب الالهي لقتل الابرياء بدلا من الوعد بالجنة والنعيم الابدي، سيشجع على خروج البعض، على الاقل، من اوساط المتطرفين الذين يسعون الى الهيمنة على الاسلام وتدمير الاديان الاخرى كافة.

انني اعتقد ان القضاء على الارهاب بات يتطلب انشاء تحالف واسع من كل الاطراف الحريصة على تثبيت الاستقرار، والحريصة ايضا على التخلص من هذه الظاهرة التي تزعزع امن مجتمعاتها.

* كاتب اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»