متطلبات وحدة الحزن بين الأميركيين والفلسطينيين

TT

اصبح للأميركيين، مع الاسف الشديد، ايلولهم الحزين مثل الحزن الايلولي المتكرر على الشعب الفلسطيني. فيوم الكارثة التي حلت بالابرياء الاميركيين كان يوم ذكرى مجزرة القوات الفاشية،بإشراف ودعم الجيش الاسرائيلي ومعرفة وزير الحرب شارون، في مخيمي صبرا وشاتيلا قبل تسعة عشر عاماً، وذلك بعد خروج كل المسلحين والمدافعين الفلسطينيين من كل لبنان بضمانات اميركية بأن المدنيين لن يصابوا بسوء. يحزن العالم ويغضب على ما حل بالابرياء في نيويورك، كما حزن وغضب على مقتل آلاف الاف المدنيين الفلسطينيين. والواقع ان شراكة الحزن الاميركي ـ الفلسطيني اعمق مما نتصور للوهلة الاولى، فالشعب الفلسطيني كان يعرف الجناة الذين حاصروا صبرا وشاتيلا ثم قتلوا واغتصبوا، وحاولوا طمس الجريمة بالبلدوزرات، ولكن الفلسطيني كان اضعف وأعجز عن الرد. اما الشعب الاميركي فهو الاقوى سلاحاً واقتصاداً، ولكنه غير متأكد من الجناة ولا يعرف كيف سيرد على من وجهت اليهم اصابع الاتهام. المفارقة طبعاً ان صيادي المياه العكرة يحاولون استغلال الكارثة الاميركية للتفريق بين الاميركيين والعرب عموماً، ويستفيدون من الاخطاء الصغيرة وغير المقصودة في التصرف العربي او الفلسطيني، كما يقذفون العالم المتعطش للمعلومات حول الكارثة بالاخبار السهلة الرخيصة الكاذبة، ويسعون للابتعاد بالحوار عن اسباب ظاهرة الارهاب السياسي لطمس دورهم المباشر في كارثة الشعب الاميركي الأيلولية. هذه المقولة لا تعفي الشعب والقيادة والقوى الفلسطينية من مسؤولية السماح بهذا التدهور وتتطلب خططاً للرد والعمل أرى بعضها كالتالي: حماس والجهاد الاسلامي تحديداً، وكل القوى المقاومة بالسلاح والعمليات الانتحارية، عليها فوراً الاعلان الموجز والواضح ان الهدنة الفعلية التي بدأت منذ كارثة الشعب الاميركي سوف تستمر، على الاقل حتى مرور اربعين يوما على المأساة، وان العمل الفسطيني سوف ينحصر في الدفاع عن النفس فقط ضد جنود الاحتلال، ويمكن للبيان مطالبة الاحتلال باستغلال الفرصة للانسحاب التام من الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967 لتبدأ بعد ذلك المفاوضات على تطبيق بقية قرارات مجلس الامن. مثل هذا البيان يجب ان يخلو من الاطالة والشروحات ويوزع على الجمهور الفلسطيني ليرى ان القوى المقاتلة تحزن على الضحايا الابرياء اينما كانوا، وهذا سيشجع على مبادرات شعبية للقفز فوق الآلام والإعراب عن التضامن، وربما تذكر ان الشعب الاميركي ليس عدواً للشعب الفلسطيني.

استغرب عدم اقدام سكان المدن الفلسطينية، المسلمين والمسيحيين، مثل الناصرة وبيت لحم وحيفا والعديد من قرى الجليل والضفة ومدينة غزة، استغرب عدم قيامهم بصلوات جماعية مشتركة، وأتوقع حصول ذلك كل يوم جمعة وأحد للتذكر والترحم على ضحايا الارهاب في فلسطين واميركا ولبنان، اذ بهذا العمل كان يجب ان يقود الفلسطيني العالم الى السلام، ولكن اوروبا كانت الاسرع في صلواتها واجتماعاتها المشتركة.

القيادة الفلسطينية احسنت صنعا باعلان الرئيس عرفات الهدنة بلغة عربية، ومن جانب واحد، فكسبت العالم وعزلت شارون، ولو الى حين. وكان الافضل ربط الهدنة بفترة الحداد فقط. وحبذا لو شددت القيادة على انها سوف تحاسب من يخرق الهدنة في هذه الفترة. الاهم من ذلك ان تراجع القيادة مواقفها وتطالب بالعودة الى قرارات الامم المتحدة. أية اخطاءفي مفاوضات جديدة حول تفاصيل الجزئيات ستعيدنا الى كوارث الماضي. الآن يجب مطالبة العالم بتطبيق القرارات الدولية والعودة لتأكيد وجود احتلال، فالرأي العام الدولي سيكون قوياً في الفترة القادمة ولن يفهم خزعبلات التفاوض وعشرات الاتفاقيات، ومن خالف هذا او من فعل ذلك. يجب عدم اضاعة فرصة وزمن الهدنة في مفاوضات ميتة سلفاً، وانما رمي القضية في حضن العالم عبر الامم المتحدة والاكتفاء بالدفاع عن النفس في فترة الحداد واعلان مقاومة الاحتلال في ما بعد مع التركيز على ميثاق الامم المتحدة واظهار هدف المقاومة بتطبيق قراراتها فقط لا غير. على السلطة الفلسطينية ان تفيق من النوم وتعد قوائم ملخصة يومية بما فعلته اسرائيل اثناء فترة الحداد الفلسطيني، مع تصنيف تلك الافعال في قوالب المخالفات القانونية الدولية: اين وكيف نفذت اسرائيل العقاب الجماعي؟ كم مدنياً قتلت وجرحت؟ اين خالفت القوانين الدولية في فترة الهدنة والحداد الفلسطيني؟ وذلك بدون تهويل ومبالغات وتنظيرات.

القيادة الفلسطينية مطالبة بالقول وبوضوح ان الخصم هو المحتل، وان الصراع ضد الاحتلال مفتوح على مصراعيه، ولكن في فلسطين، وانه لا مبرر مطلقاً لقتل أي مدني في أي بلد وتحت أي ذريعة... من الواضح ان القيادة لا تملك قرار الغير في الخارج ولكن عليها الحفاظ على مواقف حضارية مهما اشتدت الازمة، فالعالم ضد اسرائيل اكثر مما هو ضد الفلسطينيين، فلماذا ننشط في صنع الاعداء؟

في فترة الهدنة، على القيادة الفلسطينية القبض على كل من ظهرت صورهم في التلفزيونات فرحين بكارثة الشعب الاميركي ومحاورتهم في التلفزيون الفلسطيني علناً عن هذه السفاهة وتبيان انعدام الذوق والاخلاق في عملهم، وان يكون محاوروهم من اصحاب الرأي الآخر. الاهمية هنا ان يكون الحوار علنياً لتثقيف الناس بالأسس وتعريفهم بالعدو والصديق ودرس اكتساب الاصدقاء. ربما من الصعب ان يتفهم الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال ان الولايات المتحدة يمكن كسبها. ولكن، في المقابل، اين هي فائدة التشفي والفرح بالكوارث وتشجيع العداء لأميركا ودفعها لحضن اسرائيل؟ نعم هناك الشيء الكثير جداً مما يمكن لتحالف اميركي ـ اسرائيلي فعله ضده الشعب الفلسطيني، فالكوارث الفلسطينية يمكن ان تتضاعف الى مائة ضعف بسهولة الآن، اذ يكفي ان تزيل واشنطن الخطوط الحمراء التي رسمتها لشارون بعدم احتلال المناطق وعدم طرد السلطة خارج البلاد. وهناك الشيء الكثير في المقابل مما يمكن للتفاهم العربي الفلسطيني مع الولايات المتحدة التوصل اليه. ولذا نرى بوادر قلق اسرائيلي من ان يتحول التحالف الدولي ضد الارهاب في غير صالحها عبر اقتناع العالم تدريجياً بأهمية ازالة اسباب العنف وفرض الحلول للمشاكل المولدة للإرهاب. ان موقع وموقف كل طرف في الصراع الآن سيحسم الامور لعقود قادمة، ولا يجب بأية حال وضع الشعب الفلسطيني في مواجهة خاسرة ضد العالم بدون ادنى سبب سوى تكلس القيادة، وتصدر الاغبياء في الشارع، وتقليد الفئات المستنيرة للنعامة. قد تكون السياسة الخارجية الاميركية مرفوضة في كثير من مناطق العالم، لكن اغلبية سكان العالم يتمنون الحصول على إذن اقامة في الولايات المتحدة التي يتصف شعبها بالطيبة كونه خليطا امميا لا يزيد عمره وتاريخة على قرنين من الزمن. ان كل مهتم بالسياسة الاميركية يعرف ان الكونجرس هو صاحب القرار، وان الرئيس هناك لا يشابه الرؤساء في بقية العالم، اذ يقيد الكونجرس قدراته، والكونجرس منتخب من جزء بسيط من الاميركيين الذين لا يوجد لديهم نظام الانتخاب الاجباري، ومن يصوتون يتأثرون بالاعلام الذي هو في يد اكثر من «لوبي» او جماعة ضغط معروفه، ولم يكن هناك ما يمنع العرب من تنشيط «لوبياتهم» لتطرح اسئلة مثل: كيف يمكن تحميل الشعب جميع مسؤوليات قيادته؟ هل يمكن مثلاً تحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية قرارات قياداته الكارثية منذ الثلاثينات حتى الآن؟ ثم هل السلاح الاميركي في يد اسرائيل فقط؟ الا يحمل الشبان في فلسطين بنادق اميركية؟ ومن اين تسلح العرب بالطائرات والدبابات؟ بالطبع يمكن القول ان ملايين اكياس الطحين «هدية من الشعب الاميركي» التي وصلت للاجئين الفلسطينيين كانت تهدف الى خمولهم، وان دفع الولايات المتحدة لاكبر جزء من ميزانيات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين منذ مطلع الخمسينات كان يهدف الى تحسين معيشتهم وتعليمهم حتى ينسوا بلدهم ويهاجروا الى فرص افضل. ويمكن القول ان عدم رضوخ واشنطن لطلبات اسرائيل بالضغط على السلطة وقطع تمويلها واموالها يهدف لذر الرماد في العيون والآذان، ولكن الا توجد أي ايجابيات للعرب من علاقتهم مع الاميركان، وهل انعدمت فرص تحسين وتطوير العلاقات، وهل الاغيار دوماً على خطأ ونحن على صواب؟ مهما كانت الاجابات، ومهما كانت المعاناة الفلسطينية والتحسر العربي والاسلامي على فلسطين، فلا يمكن ان ننحط الى مستوى الفرح بكوارث الغير. ولأننا فعلاً لم نفرح ووقعنا في اسر الإعلام بفضل قلة من السفهاء وجب علينا اثبات شعورنا بما يخدمنا اصلاً ويثبت تحضرنا الذي سبق كل الحضارات.