المطلوب عمله .. الآن

TT

تجتاح العالم الأنباء والآراء والأحاديث والتنبؤات بصدد «عملية الجزار» التي ستنفذها الولايات المتحدة عقاباً على افعال الإرهابيين في نيويورك وواشنطن. ويبدو أن كل شيء قد حُشد للبحث عن افضل الاتجاهات والاشكال حول كيف يتم الانتقام، ولا أحد يماري في أن من الواجب مكافحة الإرهاب بأشد التدابير حزما، لكن هل الانتقام هو السبيل الرئيسي؟ وهل ينبغي الرد على الإرهاب بمثله؟ وهل بوسع ذلك الحؤول دون تصعيد دوامة العنف؟

لا يوجد شيء أسوأ حين يقع رجال السياسة، واقصد الرجال الذين يمارسون السياسة بروح المسؤولية وبكفاءة، في أسر العواطف ولا يدركون جوهر ما جرى. ويثير الأسف حين تجدهم في نهاية المطاف لا يفهمون المدى الذي أملت فيه مأساة يوم 11 سبتمبر (ايلول)، ضرورة اتخاذ مواقف جديدة في مبادئ أمن البلدان والشعوب.

لقد بات واضحاً أن خطوات مثل توسيع حلف «الناتو» وزيادة الميزانيات العسكرية بقدر كبير، وتوفر اكثر المنظومات فعالية للدفاع المضاد للصواريخ، هي خطوات تبدو بلا نفع أمام خطر الإرهاب، وغدا واضحاً كذلك بأنه لا يجوز الاعتماد في مكافحة الإرهاب على أجهزة الأمن والمخابرات فقط، فهي لا تستطيع الحصول على كافة المعلومات الضرورية.

فما الذي يمكن عمله إذن؟

المطلوب مكافحة الداء نفسه. لا يخفى على أحد أن النزاعات الدولية تعتبر المنابت الرئيسية للإرهاب، فهي التي تدفع الانتحاريين إلى ارتكاب أفظع الأفعال، وأنا اعتقد أن من واجب الدول الرئيسية على الصعيد الدولي، وفي مقدمتها الدول الاعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي، أن تحلل بعد 11 سبتمبر تحليلا وافيا ما يجب ويمكن عمله لتسوية أزمة الشرق الأوسط وجميع النزاعات الأخرى التي تشكل «النقاط الساخنة» في الكرة الأرضية.

بالاضافة الى ذلك، من الضروري اعداد تشريع دولي خاص لمكافحة الإرهاب، وهو يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار عدة أمور، إذ ينبغي تحديد ما هو «الإرهاب»، وانه ليس السعي إلى الدفاع عن الحقوق المهضومة والمنتقصة.

ان الارهاب هو قتل الناس المسالمين، انه الأفعال الإجرامية ضد السكان الآمنين، ويجب استئصال شأفة مثل هذه الأفعال بالذات. ومن ثم يجب على المجتمع الدولي بأسره أن يعيد النظر في المعايير التي تتخذ لدى تحديد من تسمى بالبلدان «المنبوذة» أو «المارقة»، إذ ان بعض السياسيين الغربيين يبرزون هذه البلدان بصورة رئيسية انطلاقاً من اتباعها نهجاً يتناقض مع الخط الأناني للولايات المتحدة. وبعد يوم 11 سبتمبر يجب أن يوضع الحد الفاصل في العالم وفق منطلق آخر تماما، فهناك من جانب الدول التي تدين الإرهاب وتعتزم اجتثاثه من جذوره فعلا، ومن جانب آخر، هناك المجموعة القليلة من الدول التي تشجعه أو تحول أراضيها إلى قاعدة للإرهاب، ويمكن لمثل هذه البلدان ان تصبح منبوذة، بشكل حقيقي، إذ انها هي التي يرفضها المجتمع الدولي. لكنني، مع ذلك، لا اعتقد انه من الواجب تنفيذ عمليات عسكرية شاملة وعشوائية ضد هذه البلدان، إذ قد يلحق الأذى الناس الأبرياء المسالمين حتماً. ان كثيرين في الولايات المتحدة يدعون الآن إلى قصف بلاد ما، أو حتى عدة بلدان، وإلا فإن هيبة الولايات المتحدة ستتدهور حسب زعمهم. وتبين من تصريح الرئيس بوتين ان روسيا تعارض ذلك بشكل قاطع.

يبقى الآن التأكيد على الشيء الأهم، فإن ما يثير قلقي بشكل حقيقي هو السعي بهذا الشكل أو ذاك إلى إظهار أن العالم ينقسم إلى جزء «متحضّر» وآخر «غير متحضّر»، زد على ذلك ان البعض يصف هذين الجزءين بالمسيحي والإسلامي، وهذا تقسيم باطل، بل وخطر ويمكن أن يترك أثراً سلبياً للغاية على سير الاحداث العالمية في المستقبل.

انهم في الغرب يجب أن يدركوا بشكل افضل ما هو الاسلام، وما هو القرآن الكريم، الذي يحمل في سطوره الخير، ولا يدعو البتة إلى ارتكاب افعال شبيهة بالارهاب، لكن لا بد من القول بأن هذه الرسالة «التنويرية» لن تكون فعالة إذا لم تعلن البلدان الإسلامية نفسها وقوفها ضد الإرهاب. وباعتقادي أن من الواجب تشجيع ذلك بكل السبل.

المطلوب اليوم عمل كل ما ينبغي للحؤول دون تنامي الإرهاب، وهذه مهمة مشتركة للمسيحي والمسلم واتباع الأديان الأخرى، انها مهمة جميع الدول والشعوب. لقد خلق الله العالم لكل البشر، واننا جميعاً في قارب واحد.

* رئيس الوزراء الروسي الأسبق (خاص بـ «الشرق الأوسط»)