على ماذا يتفق هنري كيسنجر وسلوبودان ميلوشيفيتش

TT

منذ ربع قرن لم يشارك وزير الخارجية الامريكية السابق هنري كيسنجر في رسم خطوط السياسة الخارجية للولايات المتحدة لكنه لم يتوقف لحظة واحدة عن محاولة التدخل فيها سواء كانت الادارة في البيت الأبيض جمهورية ام ديمقراطية. وكتابه الأخير الذي يحمل عنوان (هل تحتاج أمريكا لسياسة خارجية) دليل على استمرار محاولاته في وضع نفسه على عرش افضل وزير خارجية امريكي وأكثر المتفهمين لما يجري في العالم. الكثير من المحللين السياسيين وضعوا كتاب كيسنجر الاخير في الزاوية السلبية رغم ان كيسنجر اراد ان يكون كتابه معجما سياسيا للرئيس جورج بوش (الصغير) الذي يعتبره من اضعف سكان البيت الابيض معرفة بالسياسة الخارجية ويوجهه الى اتباع سياسة التوازن الاقليمي كأقدم سياسة خارجية، عوضا عن التفكير بالتوازن الدولي. ويضرب كيسنجر مثلا على خطأ السياسة الامريكية التي تنظر الى التوازن الدولي، ما جرى في كوسوفو. فهو يعتبر ان (العملية العسكرية الانسانية) في كوسوفو أخذت شكلا معاكسا عن الاهداف التي حددت لها، فالأمريكيون في كوسوفو والبوسنة حسب رأي الكاتب ساعدوا في عملية التطهير العرقي بحق الصرب من قبل القوميات الاخرى التي منعت القوات الامريكية تطهيرها من قبل الصرب. كذلك كيسنجر يحاول توجيه اشارة واضحة للرئيس بوش بعدم قبول محكمة جرائم الحرب الدولية التي وضعت خطوطها العريضة في روما عام 1998 والتي تم التوقيع على وثيقتها من قبل 30 دولة وستصبح خطرة على واشنطن عندما يتم التوقيع على وثيقتها من قبل 60 دولة. فالمحكمة الدولية في روما يمكنها ان تحاكم أي أمريكي شارك في (العملية العسكرية الانسانية) في كوسوفو كما اوضح ذلك من قبل سلوبودان ميلوشيفيتش الرئيس اليوغوسلافي الأسبق. ويعتبر كيسنجر هذه المحكمة مجرد أداة للتعذيب وليس الهدف منها حماية العدل والقوانين الدولية ويذكر بأن التعذيب الذي تريد ان تتبعه هذه المحكمة بدا من اتهام الجنرال اوغست بينوشيه. ونفى كيسنجر ان تكون وثيقة حقوق الانسان من عام 1948 والمؤتمر الخاص بالابادة الجماعية والتعذيب من عام 1988 ومؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي من عام 1975 الأساس لتشكيل مؤسسة عدل دولية تدخل المعجم الحقوقي. ويرى كيسنجر في كتابه الجديد انه لا يمكن المساواة بين دولة صغيرة في البلقان مثل كرواتيا مثلا ودولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ويؤكد انه لا يمكن محاكمة جنرال امريكي مثل ويسلي كلارك بتهمة جرائم حرب بنفس الاسلوب الذي يحاكم فيه جنرال من كرواتيا بنفس التهمة. ويعتبر ان مثل هذه المحكمة التي ستساعد في تقديم من شارك في الحروب العربية الاسرائيلية أمام محكمة دولة ثالثة وتقديم المتهمين الامريكيين الذين اعترفوا بارتكاب جرائم حرب في فيتنام وبعضهم من كان عضوا في الكونجرس وآخرون في مجلس الشيوخ. ولذا يعتبر ان مثل هذه المحكمة لا يحتاج لها العالم ولا يجب محاكمة أي جندي اعترف بما فعل من قبل من جرائم حرب، ويطالب بتشكيل لجنة لحقوق الانسان تابعة لمجلس الأمن الدولي تنظر في الدعاوى الموجهة لها كل على حدة، وفي النهاية يرى أن الدول القومية فوق أي محكمة عدل دولية مهما كانت. أليس ما يطرحه كيسنجر في كتابه هو ما قاله الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش عندما مثل لأول مرة امام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي الخاصة بيوغوسلافيا السابقة؟ ألم يصف ميلوشيفيتش المحكمة بأنها غير شرعية ولا يمكنها محاكمته لأنه لا يعترف بها ولذلك رفض توكيل محام للدفاع عنه لأنه يرى أن المحاكم اليوغوسلافية فقط هي التي يحق لها محاكمته وأن محكمة لاهاي عبارة عن لعبة سياسية بيد من هو الأقوى. هل تنبهت خواطر كيسنجر لكلمات ميلوشيفيتش، لقد كان كيسنجر منذ بداية الحرب في يوغوسلافيا السابقة يعتبر ان ميلوشيفيتش على حق وأنه الشخصية الوحيدة التي يمكنها أن تكون اساس السلام في البلقان وهو الذي طالب عدة مرات بتقسيم البوسنة بين الكروات والصرب وحتى الان وبعد توقيع اتفاق دايتون للسلام في نهاية عام 1995 يعتبر ان الأفضل للمنطقة تقسيم البوسنة وإقامة دويلات قومية في البلقان، صحيح ان كيسنجر لم يقم بزيارة ميلوشيفيتش في بلغراد لكنه كان المؤيد الرئيسي له في الولايات المتحدة الأمريكية وهو الذي ساعد في كثير من الأحيان في تخفيف الضغط الأمريكي على بلغراد ومن خلال اللوبي الصربي واليهودي ساعد على تأخير الضربة الأطلسية ليوغوسلافيا سنوات عدة.