الشكر للوليد.. واجب

TT

أصبح رودولف جولياني، عمدة نيويورك، وجها مألوفا في العالم باعتباره موظفا عاما يتصف بالجرأة، فقد ساهم في تحويل مدينة نيويورك إلى واحدة من أنظف المدن الكبرى في العالم واكثرها امانا. كما ان جهوده الدؤوبة التي لا تعرف الكلل أو الملل، وحضوره الدائم وعزيمته القوية التي لم تفقده هدوءه، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، جلبت له إعجاب العديد من الاميركيين.

شخصياً أعرف جولياني منذ عدة سنوات، واعتقد انه لولا اصابته بالسرطان وحدوث بعض الفضائح في حياته، لكان صعد الى اعلى المراتب في السياسة الاميركية. وهذا هو السبب في دهشتي لتصرفه بشكل لا ينسجم مع شخصيته وينم عن افتقار واضح للحكمة وسداد الرأي. حدث هذا عندما قرر جولياني اعادة شيك كان قد ارسله رجل الاعمال السعودي، الامير الوليد بن طلال آل سعود، الى نيويورك كمساهمة منه في مساعدة اسر ضحايا الهجمات الارهابية.

ما الذي اغضب جولياني؟ يقول انه غضب لملاحظات الوليد بن طلال ان على الولايات المتحدة ان تعطي مزيدا من الاهتمام للقضية الفلسطينية.

حسنا، ما الخطأ في ذلك؟ فالولايات المتحدة هي البلد الذي يفخر بانه الوحيد في العالم الذي يسمح بقدر غير محدود من حرية التعبير بناء على التعديل الاول لدستوره. وكل ما فعله الوليد هو التعبير عن وجهة نظر. يمكن ان تكون وجهة النظر هذه صحيحة او خاطئة. ولكن من حقه التعبير عنها. واذا كان جولياني لا يوافق على وجهة النظر المعنية فإن من حقه ان يقول ذلك باسلوبه الهادئ والمتمهل. ولكن التعبير عن وجهة نظر لا علاقة له بالتبرع لضحايا 11 سبتمبر. فقد تبرع حوالي مليون شخص لهذا الصندوق حتى الآن. وليس ثمة أدنى ضمان بأنهم جميعا يفكرون بنفس الطريقة حول كل القضايا، او بنفس الطريقة التي يفكر بها جولياني.

ومن المفارقات ان مشهد اعادة جولياني للشيك حدث في نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس بوش يقول في مؤتمر صحافي كامل يعقده منذ التفجيرات، «انني مقتنع بانه يجب ان تقوم دولة فلسطينية».

ان الخطوة التي قام بها الامير السعودي كانت خطوة ايجابية. وكان المقصود منها توضيح ان صورة «السعودي القبيح» التي حاولت رسمها بعض وسائل الاعلام، ليست فقط غير عادلة بل هي كذلك غير دقيقة. وقد أدان الوليد الهجمات الارهابية، ودعم قوله بالعمل، وهو لذلك يستحق الشكر لا نكران الجميل.

والمعروف ان الوليد لا يحتل موقعا رسميا في السعودية ومن حقه كفرد ان يقول ما يريد. ولكن لا يمكن لأحد ان يشك في ان خطوته كانت تنم عن الصداقة. فالصداقة بين الولايات المتحدة والسعودية تكاد تكون امرا حتميا. ولكن الاصدقاء يجب ان يتمكنوا من الحديث الى بعضهم بصراحة وحرية حتى في تلك الاشياء التي لا يتفقون حولها.

لقد اختار جولياني القضية الخطأ. فالولايات المتحدة والسعودية متفقتان حاليا على ضرورة احياء عملية السلام من اجل اقامة دولة فلسطينية. وكل الخلافات الباقية تتعلق بالوسائل والتوقيت وربما العبارات. انني أطلب من صديقي العمدة ان يرسل للوليد بطاقة شكر على تبرعه لنيويورك. ولا يسمح القانون لجولياني ان يخوض الانتخابات مرة اخرى. ولذلك لا ينبغي له ان يخشى اللوبيات التي تعتقد ان أي موقف لا ينطوي على التأييد الاعمى لما تفعله اسرائيل، وبصرف النظر عما تفعله هذه الدولة، ليس خطأ فحسب بل جريمة كذلك.