عملية السلام العربي - الإسرائيلي: هل تتوفر مسوغات للتفاؤل؟

TT

زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني موسكو زيارة قصيرة استغرقت يوماً واحداً. وجرى لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين. وعُلم ان الاهتمام تركز فيه على قضية التسوية في الشرق الأوسط وكذلك كيفية الحؤول دون تشويه صورة الاسلام من قبل الارهابيين. علماً ان هذين الأمرين اللذين يتسمان بأهمية وحيوية بالغتين يترابطان فيما بينهما. وكما قال العاهل الأردني فانه لا يمكن وجود العالم بدون ارهاب الا في حالة تسوية النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.

وأنا أوافق تماماً على هذا الطرح للمسألة. ولكن توجد لديّ ملاحظة واحدة، فأقول ان الأمر لا يقتصر على النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي فقط، بل على النزاع العربي ـ الاسرائيلي عموماً، لأن المقصود هو اجراء تسوية عادلة للعلاقات السورية ـ الاسرائيلية واللبنانية ـ الاسرائيلية ايضاً.

وفي الفترة الأخيرة جرت احداث تزيد من قدرات التسوية في الشرق الأوسط. وبودي ان اذكر في المرتبة الأولى المباحثات بين الرئيسين بوتين وبوش. فقد بحث رئيسا الدولتين باسهاب الخطوات الممكنة من أجل استئناف عملية السلام. ووردت الأفكار المبدئية بهذا الشأن في البيان المشترك. أما بشأن التفاصيل فانها لا تعلن عادة على الناس. ولكن يمكن الحكم عى نتائج الاتفاقات التي تم التوصل اليها من العلامات غير المباشرة. فقد تحدث بعد لقاء القمة الروسية ـ الأمريكية وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ونظيره الروسي ايغور ايفانوف. ووردت في كلمتي هذا وذاك الموضوعات التالية:

1 ـ ينبغي اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وأكد كولن باول على الحتمية التاريخية لاقامة الدولة الفلسطينية. وأعلن ايغور ايفانوف قائلاً «يجب حقاً ان تتضمن التسوية الوطيدة على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي موضوع اقامة دولة فلسطينية قادرة على البقاء».

2 ـ تقام هذه الدولة في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستخدم وزير الخارجية الأمريكي لأول مرة تعبير «الأراضي المحتلة»، علماً ان هذا لا يشمل فقط قضية اقامة الدولة الفلسطينية، فانه حين استخدم هذا التعبير في خطابه في 19 نوفمبر في جامعة لويسفيل (ولاية كنتاكي) تحدث عن ضرورة تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وتطبيق مبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي أُعد في مؤتمر مدريد. وتحدث بالروح ذاتها وزير الخارجية الروسي الذي أكد ضرورة اعطاء تفسير واسع لتعبير «الاراضي المحتلة». وأعلن ايفانوف ان شرط التسوية يجب ان يتجسد في «انهاء الاحتلال». واضاف قوله «ان السلام الشامل في الشرق الأوسط لا يمكن بلوغه إلا باجراء التسوية على المسارين السوري واللبناني، ولهذا فمن المهم استئناف المفاوضات في هذين القطاعين من عملية التسوية ايضاً».

ويجب ان يضاف الى ذلك انه سيصل الى المنطقة في الأسبوع القادم مبعوثون خاصون من وزارة الخارجية الامريكية من اجل التهيئة فعلاً للعودة الى عملية المفاوضات. وعلم كاتب هذه السطور بأن مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية قد كلفوا اجراء اتصالات وثيقة مع مبعوثي باول من اجل معالجة مهمة استئناف المفاوضات.

3 ـ أعلن وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية الروسي على حد سواء ان توصيات لجنة ميتشل يجب ان تغدو الأساس لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، كما أكدا على واحدة من البنود الأساسية الواردة في هذه التوصيات، فقال باول ان من واجب قيادة اسرائيل «ان توقف ممارسة بناء المستوطنات». وقال ايفانوف من جانبه «يجب على حكومة اسرائيل ان تجمد النشاط الاستيطاني».

4 ـ ينبغي على السلطة الوطنية الفلسطينية ان تتصدى بحزم لنشاط المتطرفين والارهابيين، وربط ذلك بالضرورة الملحة «لاختتام انسحاب القوات الاسرائيلية من المدن الفلسطينية ورفع الحصار والغاء القيود المالية وغيرها» (ايفانوف)، و«ضمان الأمن للفلسطينيين» (باول). 5 ـ اعطاء تأويل واسع لمهمة الوساطة. ذكر كل من وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية الروسي من بين المشتركين المحتملين فيها كلا من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وهيئة الأمم المتحدة ومصر والأردن. وقد أعطي هذا التأويل لأول مرة من الجانب الأمريكي.

ويمكن القول ان هذه تمثل اولى نتائج المباحثات التي أجراها الرئيسان الروسي والأمريكي حول الشرق الأوسط.

من الأمور الايجابية التي تزيد من قدرات التسوية بوسعنا ان نذكر ايضاً زيارة وفد كبير من الاتحاد الأوروبي الى منطقة الشرق الأوسط. واعتماداً على اقوال غي فيرهوفستات رئيس وزراء بلجيكا والرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي الذي شارك في الوفد «الثلاثي» وخافيير سولانا ممثل الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة العسكرية والأمن (السكرتير العام السابق لحلف الناتو) وبرودي رئيس اللجنة الأوروبية (رئيس وزراء ايطاليا السابق)، فان اوروبا توافق عملياً على موقف روسيا والولايات المتحدة الآنف ذكره.

وأدلى الرئيس السوري بشار الأسد بتصريح هام جداً اثناء محادثته مع وفد الاتحاد الأوروبي، فدعا الى اعداد المعايير الدقيقة اللازمة من اجل نجاح تطور عملية السلام، وكذلك «تحديد مسؤولية كل من سيلتزم بهذه المعايير». ومعروف ان خصوم عملية السلام، ومن يودون احباطها، يحبون ترديد القول بأن بشار الأسد «لا يقبل بها على الاطلاق»، ولم يترك الزعيم السوري بتصريحه البناء اية شكوك بصدد زيف هذه التلفيقات.

ويشير الاستطلاع الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» بالاشتراك مع شبكة تلفزيون (سي. بي. اس) الى ان نصف الذين جرى استطلاع آرائهم أعلنوا عن تعاطفهم مع موقف اسرائيل، لكن سبعة من كل عشرة اعلنوا أن الولايات المتحدة يجب ألا تقف الى جانب اسرائيل او الفلسطينيين في جهودها من اجل احلال السلام في الشرق الأوسط، علماً ان أربعة من خمسة مشتركين في الاستطلاع دعوا الى اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، بشرط ان يعترف الفلسطينيون بحق اسرائيل في الوجود.

وبدا ان الأمور كلها على ما يرام، لكن من السابق لأوانه القول مع هذا بأن الأحداث تمضي في سيناريو يبعث على التفاؤل. فما زالت الآمال ضعيفة بسبب موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون. طبعاً، هو لا يستطيع تجاهل التغيير في اتجاهات التفكير في الغرب، والأهم من ذلك بعض التغييرات في مواقف الولايات المتحدة من عملية التسوية في الشرق الأوسط. وتشير كافة الدلائل الى ان شارون و«الصقور» في حاشيته يأملون في ان تكون هذه التغيرات مؤقتة وعابرة. وحسب زعمهم فان الولايات المتحدة تريد من جانب كسب مودة العالم الاسلامي في اللحظة التي تنفذ فيها عملية مكافحة الارهاب في افغانستان التي تحصد ارواح ليس الارهابيين فقط، بل والأهالي المسالمين ايضاً. ومن جانب آخر فان الولايات المتحدة «تنزلق» الى موقف قريب من روسيا في تسوية ازمة الشرق الأوسط، من اجل ان تربط روسيا بشكل وثيق اكثر بسياستها في افغانستان.

ولربما ان هذه الأمور موجودة فعلاً. لكنني اعتقد أن التقارب في مواقف الولايات المتحدة والأسرة الأوروبية من مواقف روسيا ليس ظاهرة مؤقتة وبالتالي ليست عابرة. وأنا اعتقد أن الحياة ستولد خيبة الأمل لدى شارون واتباعه. لكن هذا لن يحدث إلا عندما يسود في أوساط الفلسطينيين، وكذلك البلدان العربية التي توجد في مواجهة مع اسرائيل، الاتجاه نحو التصدي للارهاب بحزم.. وليست المواجهة في النضال من اجل استعادة الحقوق المغتصبة، بل استخدام القوة ضد الأهالي المسالمين. ان من لا يفهم ذلك يخدم بارادته او بدون ارادته المتطرفين في اسرائيل. وان من لا يفهم ذلك يغامر بايصال الأمر الى تصفية جميع الخطوات الايجابية التي لاحت تباشيرها في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وباضعاف امكانية روسيا لحد كبير في ممارسة تأثير ايجابي في عملية التسوية في الشرق الأوسط.

* رئيس الوزراء الروسي الأسبق ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»