بقدر ما تعرف!

TT

على لافتة من الرخام في مدخل مركز المخابرات الأميركية حفر بخط عميق «لا بد ان نعرف كل شيء.. فاذا عرفنا كل شيء سننتصر» وهذه هي خلاصة فلسفة العصر الذي نعيش فيه.. عصر المعرفة.. وبقدر ما نعرف نتقدم.. وبقدر ما نعرف ننتصر.

وحتى على المستوى الشخصي فالحاكم الذي يعرف اكثر يحكم أفضل.. والمستثمر الذي يعرف اكثر يكسب اكثر.. وحتى لاعب الكرة الذي يعرف عن فنون الكرة اكثر يلعب افضل، ويرتفع سعره.

وقد يقول قائل اننا نعرف الكثير.. والواقع اننا نعرف كثيرا عن الأشياء «الهايفة» والموضوعات غير المجدية.. ومعرفتنا كلها تتعلق بالماضي.. اما معرفة العصر الحديث فنحن فيها فقراء.. وعلى الاكثر نشتري المعرفة الجاهزة او تطبيقاتها فنحن نشتري الطائرة ولا نصنعها.. ونشتري الكمبيوتر ولا نخترعه.. وأحد اصدقائي من الظرفاء يقول دائما: لماذا نخترع ما دام هناك من يخترعون نيابة عنا!!! والمعرفة في المجتمعات المتقدمة مركزها الجامعات ومراكز الأبحاث.. وفي جامعة «برنستون» وضعت معادلات القنبلة الذرية... وفي جامعة «باريس» قامت «ماري كوري» باكتشاف اشعة الراديوم.... والف استكشاف ومخترع تم في معامل الأبحاث في الجامعات.. ومعهد «وايزمان» في اسرائيل من أهم مراكز الأبحاث في العالم.

وفي «أمريكا»، التي من حقها ان تقود العالم، خمسون جامعة قيمة استثماراتها 152 مليار دولار.. هذه الجامعات ومراكز الأبحاث بها هي، التي صنعت «امريكا» القوية المزدهرة.. وهذه الجامعات ايضا اقامها رجال الأعمال الأمريكيون.. تبرعوا من اجل اقامتها بالملايين والمليارات.. وهي جامعات غير ربحية اي لا تستهدف الربح.. فاذا ربحت من بيع ابحاثها ومن مصاريف طلبتها اعيد منح هذه الأرباح لزيادة طاقتها وقدرتها.. ولا يحصل رجل الاعمال المتبرع الا على منصب شرفي او لافتة على جدار الجامعة.

الجامعات ومراكز الأبحاث هي قاطرة التقدم العلمي والأدبي والفني في المجتمعات المتقدمة.. ورجال الأعمال وليس الحكومة هم الذين ينشئون الجامعات ويرعونها حتى تقف على قدميها وتدور بقوتها الذاتية.. كم رجل أعمال في بلادنا تبرع بمائة ريال لجامعة ومن منهم فكر في اقامة مركز ابحاث من ماله الخاص.. انهم فقط يكتنزون الملايين التي لا يعرفون متى وكيف ينفقونها.. لهذا يتقدم العالم ونتأخر ويصنعون التقدم ونعيش عالة عليه.