الإرهاب: كلمة خطيرة بحد ذاتها وعلى العالم ألا يسيء استخدامها

TT

من الواضح ان «الارهاب» بات يمثل أعظم تهديد للسلام العالمي اليوم، الكلمة بحد ذاتها وليس السلوك الذي قد يربطه البعض بها.

فقد اعتاد الناس، ولسنوات عديدة تكرار مقولة «ان من ينظر اليه البعض كارهابي قد يعتبره آخرون مناضلا» ومقولة «الارهاب، كالجمال ـ بفتح الجيم والميم ـ يحدده الناظر اليه» لكن ومع اعلان القوة العظمى الوحيدة حربا عالمية لا محدودة «ضد الارهاب»، فان الاحتمالية الفجة لتفسيرات الكلمة لم تعد موضع نقاش.

ليس مستغربا ان العالم لم يتفق على تعريف لـ«الارهاب»، على اعتبار ان الكلمة تحمل افتراضات عدة قد تجعلها خالية من أي معنى ملازم لها. وفي الوقت نفسه فان الكلمة شديدة الخطورة، لأن الناس يتجهون للاعتقاد انها تحمل معنى ومن ثم يستخدمونه ويسيئون تفسير الكلمة بالصاقها بأي شيء يكرهونه كوسيلة لتجنب التفكير والمناقشات المنطقية، وفي الغالب، يبررون سلوكهم الخاص غير القانوني واللاأخلاقي.

لا توجد مشكلة في وضع صيغ شفوية محددة لمختلف الأعمال التي تنطبق عليها كلمة الارهاب في أغلب الأحيان، فهناك «القتل الجماعي» و«الاغتيال» و«الحرق العمد»، و«التخريب» (ويمكن ان يضاف اليها مصطلح «ذات دافع سياسي»)، ومثل هذه الجرائم باتت بالفعل في كتب المشرعين، الذين يعتبرون ان وضع تشريعات جنائية محددة لـ«الارهاب» أمر غير ضروري. لكن مثل هذه التعريفات لا تحمل في طيها التأثير الغالب والشرير الذي يستبعد التفكير لكلمة «ارهاب»، والذي يعد بطبيعة الحال ناتجا عن اعجاب أولئك الذين يسيئون استخدام الكلمة أو يستخدمونها كما هي، بما تحتويه من مضامين.

فلو ارتكب شخص ما «جريمة قتل جماعي ذات دافع سياسي»، فان الناس قد يرغبون في معرفة السبب أو الحالة التي أدت الى حدوث مثل هذه الجريمة، لكن لا يوجد سبب أو حالة كراهية يمكنهما تبرير (أو حتى تفسير ) الارهاب، والذي يتفق جميع من يفكرون بشكل صحيح على انه شر مطلق.

ومعظم الأفعال التي ترتبط كلمة «ارهاب» بها (على الأقل في الغرب) تعد أساليب يلجأ اليها الضعيف، عادة (وليس دائما) ضد القوي. ومثل هذه الأفعال ليست أساليب قابلة للاختيار بل تعد الملاذ الأخير. وللاشارة الى مثال، من المؤكد ان الفلسطينيين يفضلون أن يكونوا قادرين على الكفاح من أجل حريتهم بوسائل «مقبولة»، حيث يمكنهم استخدام مقاتلات «اف ـ 16» أو طائرات أباتشي الهجومية بالصواريخ الموجهة بأشعة الليزر كتلك التي توفرها الولايات المتحدة لاسرائيل. لو وفرت الولايات المتحدة هذه الأسلحة لفلسطين أيضا، لحلت مشكلة أولئك الذين يفجرون أنفسهم وخصومهم. وحتى تفعل ذلك وطالما شعر الفلسطينيون بعدم جدوى انتظار مستقبل حقيقي، فان لا أحد يجب أن يشعر بالدهشة أو الصدمة لأن الفلسطينيين يستخدمون «نظام تسليم الرسائل» المتوفر لديهم ـ والمتمثل في أجسادهم. فتوفر الأمل الحقيقي في شيء أفضل من حياة أسوأ من الموت هو الملاذ الوحيد من حالة اليأس التي تدفع بمثل هذا العنف المخيف.

وفي هذا الخصوص، من المفيد أن نذكر ان الفقير، والضعيف ومن يشعر بالاضطهاد قلما يشكو من «الارهاب». فالأغنياء والضعفاء والمستبدون هم الذين يفعلون ذلك باستمرار. وبينما يتوفر لدى معظم البشر سبب للخوف من عنف التقنية المتطورة الذي يستخدمه القوي أكثر من خوفهم من عنف الضعيف المتخلف تقنيا، فان الخدعة الأساسية التي يستخدمها من يسيئون استخدام صفة «ارهاب» (وفي بعض الحالات بدون وعي) تتمثل بالضرورة في الآتي: ان العنف متخلف التقنية الذي يستخدمه الضعيف يعد خطرا لا يمكن لأي حد من عنف التقنية المتطورة الذي يمكن للغني استخدامه، وضع حد له.

وهكذا كما هو متوقع، ومنذ الحادي عشر من شهر سبتمبر بادرت في الواقع كل دولة تواجه انشقاقا أو حركة انفصال، بالانضمام السريع لشعار «الحرب ضد الارهاب»، حيث وصفت خصومها المحليين (اذا لم تكن قد فعلت ذلك من قبل)، بـ«الارهابيين» وقررت، ولو ضمنا، اتخاذ موقف يتضمن انه لا أحد يجرؤ على انتقاد قيام الولايات المتحدة بما اعتقدت ان عليها القيام به في «حربها ضد الارهاب»، وان لا أحد عليه انتقاد ما تفعله وهي تضطهد «ارهابييها». وحتى اذا ما قبلنا ان العديد من أولئك الذين يوصفون بـ«الارهابيين» هم في واقع الأمر يستحقون الكراهية، فيجب الاعتراف بأن لا أحد من الطرفين يحترم حقوق الانسان، كما ان الظروف الانسانية لن تتحسن في ظل هذا التفوق الذي يستطيع القوي أن يستغله لسحق الضعيف متى ما أراد.

في مقاله لصحيفة «واشنطن بوست» نشر في الخامس عشر من أكتوبر ، أشار نائب رئيس التحرير جاكسون دييل الى مثالين بارزين لسوء استخدام نعت «الارهاب»: «بينما كانا يتصافحان في قصر الكرملين، تبادل شارون وبوتين هراء مشتركا بشأن الحروب التي يخوضها جيشاهما ضد المتمردين في الشيشان والضفة الغربية وغزة. وفي الحالتين، يدور الصراع حول تقرير المصير: اقامة الدولة بالنسبة للفلسطينيين، والحكم الذاتي للشيشان. ويبدو ان العالم يميل للاعتقاد ان كلا من القضيتين عادلة.. وقد سعى كل من شارون وبوتين الى اقناع العالم بأن جميع خصومهم ارهابيون، الأمر الذي يشير الى أن الحل يتطلب ليس تنازلات سياسية بل بالكاد حملة شرسة لمقاومة الارهاب».

ربما ان التعريف الوحيد النزيه والمقبول عالميا لـ«الارهاب» هو ذلك الذي قد يتضمن عبارات افتراضية مثل ـ «العنف الذي لا أؤيده». ولا يستطيع أي فرد يقرأ الصحف الغربية والعريية عدم ملاحظة ان الصحافة الغربية تشخص «الارهاب» بشكل اعتيادي في جميع أعمال العنف الفلسطينية ضد الاسرائيليين (حتى ضد قوات الاحتلال الاسرائيلية داخل فلسطين)، فيما تشخص الصحافة العربية «الارهاب» في كافة أعمال العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. وهذه الصيغة وحدها هي التي يمكن أن تتوافق مع التشخيص في الحالتين، كما هو الحال مع معظم الحالات الأخرى.

لكن العالم تعرض لتقييم جديد الى درجة ان وجود العنف بحد ذاته لم يعد سببا رئيسيا لاستخدامه. فخلال قضية التعويض الأخيرة التي تطالب شركات التبغ العالمية بمليارات الدولارات، قال محام سعودي للصحافة: «سنطالب بادراج شركات التبغ ضمن قوائم الارهابيين وأولئك الذين يمولون ويرعون الارهاب بسبب العدد الكبير من ضحايا التدخين في العالم».

ولو اعترف الجميع بأن كلمة «ارهاب» هي في الأساس عبارة عن وصف أو مصطلح للقهر، لا معنى جوهريا له، فلن يكون هناك داع لتعاظم القلق بشأن استخدامها أكثر مما كان الحال عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر. ومع ذلك فاعتماد الولايات المتحدة، كما يبدو، على الكلمة لتأكيد حق مطلق في الهجوم على اية دولة لا تكن لها ودا (وهي في معظم الأحوال دول تكرهها اسرائيل)، ومع تكرار الرئيس بوش لتهديده الذي يقول «اما أن تكون معنا أو انك تؤيد الارهابيين» (والذي يعني عمليا، «اما أن تعتبر أعداءنا أعداءك أو انك تصبح عدونا ـ وأنت تعلم ما نفعله باعدائنا»)، يجب على العديد من الناس في أنحاء العالم أن يشعروا بوجود حالة جادة من الارهاب (وفقا لتعريف معجمي يقول: ان الارهاب هو حالة من الرعب الشديد) المتعلق بالمدى الذي تريد الولايات المتحدة أن تدفع العالم اليه.

وفي الوقت نفسه، في أميركا بحد ذاتها، يبدو ان ادارة بوش تقوم بالقاء دستور الولايات المتحدة والتقاليد الأميركية المتعلقة بالحقوق المدنية، هذه التقاليد والدور الذي يؤديه القانون (والتي تشكل أفضل مظاهر الحياة الأميركية وتعد من الأسباب الرئيسية التي جعلت البلاد محط اعجاب الخارج فيما مضي.

فمن الذي كان يتصور أن يفعل تسعة عشر رجلا غاضبا تسلحوا فقط بالسكاكين كل ذلك، متسببين في اثارة رد فعل، يفوق أحلامهم المستحيلة، ويهدد بأن يلحق بأعدائهم ضررا أكبر حتى مما تسببت فيه أعمالهم الفظيعة.

واذا ما أراد العالم أن يتجنب تحول وضع مائل نحو الفوضى، التى يحكمها فقط مبدأ «ان القوة تصحح الأشياء» وان كل «انتقام» يثير «انتقاما مضادا» وان «حرب حضارات» حقيقية قد اندلعت، فان على هذا العالم ـ وبالتحديد الولايات المتحدة ـ ان يدرك أن «الارهاب» هو مجرد كلمة، تعبير افتراضي، وليس واقعا موضوعيا، وأنه بالتأكيد ليس مبررا لتعليق كل قواعد القانون الدولي والحريات المدنية المحلية، والتي جعلت، حتى الآن، من بضعة أجزاء من كوكب الأرض أماكن لائقة بالعيش.

* محام أميركي متخصص في القانون الدولي ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»