الشعوذات المعاصرة

TT

الإنسان يحتاج الى الايمان. وبعد ان تخلى الغربيون عن الدين، راحوا يبحثون عن ايمان بشيء بديل، وجدوه اولاً بالماركسية والاشتراكية والقومية والفرويدية. ولكن تجارب السنوات الاخيرة قوضت الكثير من هذا الايمان. حتى الايمان بالفلوس الذي تشبث به ألوف الناس منذ أقدم العصور اصبح مهدداً.

ما الجديد اذن في دنيا الغرب. الموضة الآن هي الايمان بفصيلة كبيرة واسعة من الشعوذات. تشمل هذه الفصيلة التنويم المغناطيسي والطب الروحاني والمصحات المعدنية والمزارع الصحية واخيراً كل هذه الحبوب والعقاقير والمراهم واللصقات التي تملأ الصيدليات باسم المستحضرات الهوميوباثية. هناك الآن شركات كبرى وسلسلة من المخازن المشهورة تتخصص فيها وتسوق منتجاتها. تجدها مكتظة بالناس المستعدين للايمان بأي شيء. تجد فيها ايضاً شتى المجلات والمطبوعات «العلمية» التي تدعي بشتى الحقائق دون ان تورد رقماً احصائياً ثابتاً واحداً عن نتائج العلاج بها.

يسري ذلك بصورة خاصة على مستحضرات الجمال التي تعد وياما تسرف فيما تعد. كريمة تعيد للعجوز شبابها واخرى تعيد للعليلة نضارتها، حبوب للنحافة وشراب للقيافة وهات يا سيدي ما عندك. أما في ما يتعلق بالحياة الجنسية فالسكوت عنها افضل من الافاضة بها.

اسوق هذا الكلام بصورة خاصة لكل هذه الفئة الكبيرة من الاخوات والاخوان العرب الذين يفدون الى الغرب للتخسيس والتجميل والتصحيح والتعمير ومعالجة كل ما فشل الاطباء والجراحون في معالجته، ينفقون ألوف الباوندات على ذلك ثم يعودون بعد أشهر قليلة الى ما كانوا عليه. راجت هذه الانواع من الشعوذة المعاصرة بصورة خاصة في امريكا لسبب بسيط هو ان بيد الامريكان من الفلوس ما لا يعرفون ماذا يصنعون به. سبب آخر هو السذاجة الامريكية التي تجعلهم يصدقون أي شيء يطرح عليهم بأسلوب علمي. سبب ثالث هو ايمانهم بالفلوس التي تجعلهم يعتقدون ان أي عمل يدر عليك بالفلوس هو عمل صالح وأي شيء تحصل عليه بالفلوس هو شيء نافع.

تأسست في بريطانيا قبل سنوات جمعية باسم الحملة لمقاومة الزيف الطبي. رسالتها فضح هذه الشعوذات والادعاءات، لا اسمع شيئاً عن هذه الجمعية الآن. ربما اشترتها شركات الهوميوباثيا الكبرى. وطالما غابت عن الميدان فأجد من واجبي اداء بعض واجباتها. ولما كانت المرأة اكثرنا تعرضا للشعوذة المعاصرة، فأود ان أسوق لها بعض الارشادات. استبدلي الشعوذة المعاصرة المكلفة الثمن بالشعوذة التقليدية الرخيصة. بدلاً من الذهاب الى منوم مغناطيسي أو محلل نفسي اذهبي الى أحد الملالي المحليين يقرأ على رأسك. بدلاً من العلبة الانيقة لعقار هوميوباثي مستورد، اذهبي للعطار ليعطيك بعشرة قروش حفنة كزبرة أو لسان الثور أو بزر الخنفسان يكفيك لمدة شهر. بدلاً من شراء جهاز الكتروني للتخسيس وتنحيف البطن، أرمي برموت التلفزيون بالزبالة وتحركي من الكنبة وغيري القناة بيدك. اذا جعت فلا تأمري الشغالة بأن تأتيك بكعكة فتخس الشغالة وتسمنين انت، هاتي الكعكة بنفسك فتخسين انت وتسمن الشغالة، وتذكري ان المشي على الرجلين أفضل لرشاقتك من استعمال أي جهاز رياضي وأرأف بالبيئة التي تحيط بك، والبيئة الجيدة أفضل لحالتك النفسية من أي طبيب نفسي. واذا المت بك الخطوب فليس افضل من امرأة حكيمة مجربة تحن عليك وتطارحينها همومك.