أخطار التدهور المفاجئ في الموقف

TT

تدهورت الامور فجأة في فلسطين وانتقلت من مرحلة العنف والعنف المضاد الى مرحلة جديدة تعلن فيها حكومة شارون صراحة عدم اعترافها بالسلطة الوطنية الفلسطينية وعدم ثقتها في رئيسها ياسر عرفات واعتبار حركة فتح منظمة ارهابية، وهو ما يعني وقف المفاوضات، وانكار الاتفاقيات السابقة الموقعة من الطرفين، واهدار الاصول والتقاليد المتعارف عليها من الطرفين والتي بدأت بمنع الرئيس الفلسطيني من مغادرة رام الله ووصول القوات المسلحة الاسرائيلية الى مسافة قريبة جدا من منزله.

موقف ارييل شارون منذ البداية لم يكن يبشر باحتمال الوصول الى تسوية سلمية، ورفضه المعروف للمعاهدة المصرية ـ الاسرائيلية، والاتفاقية الاردنية ـ الاسرائيلية، واتفاقيات اوسلو، كانت من معالم الطريق الذي رسمه لتثبيت الاستعمار الاستيطاني وتحقيق اهداف الصهيونية التوسعية. واجراءات حكومة شارون ضد شعب فلسطين كانت حربا غير معلنة تحاول ان تفرض عليه الاستسلام سابقة الامر الذي ادى الى دوامة العنف، وتأكيد ان الانتفاضة التي انطلقت منذ 14 شهرا عقب زيارة شارون للمسجد الاقصى هي الاسلوب الذي لم يتنازل عنه شعب فلسطين لتحقيق اهدافه المشروعه في تحرير ارضه واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

واذا كانت الظروف قد وصلت الى هذا التدهور غير المسبوق، وانتقلت الامور من حرب غير معلنة بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية الى حرب معلنة من جانب الحكومة الاسرائيلية ضد شعب فلسطين، فان علينا ان نتوقع مزيدا من الكوارث ونزيف الدماء، وعلينا ايضا ان نحاول استخلاص بعض القضايا التي أثرت في الامور ودفعتها الى هذا التدهور غير المتوقع.

* أولا: أمن شعب اسرائيل

* اختار شعب اسرائيل شارون رئيساً لحكومته في انتخابات ديموقراطية عامة متأثرا بدعايته التي اطلقها في حملته الانتخابية بأنه سوف يوفر الامن والسلام لشعب اسرائيل، ولكن النتائج كانت عكس ذلك تماما فلم يتعرض شعب اسرائيل لمثل ما تعرض له خلال حكومة شارون من احداث واعتداءات طالت بعض الابرياء، وتحول الامل في السلام الى سراب ضائع، وهكذا اثبت شارون انه لم يعمل لصالح شعبه وان الشعب الاسرائيلي اصبح مسؤولا عن جرائمه.

* ثانيا: العدوان السياسي

* الحملة التي يشنها ارييل شارون ضد السلطة الوطنية الفلسطينية عامة وياسر عرفات خاصة تثبت ان عدوانه لا يقف عند حدود الغارات الوحشية بالقوات المسلحة، وانما يمتد الى عدوان سياسي يحطم كل فرص التسوية السلمية، لان السلطة الوطنية هي تنظيم نابع من اختيار وارادة شعب فلسطين وهو صاحب الحق الوحيد في محاسبتها، كما ان المجتمع الدولي معترف بها وبزعامتها وليس من حق شارون ان يلغيها، وانما عليه ان يواجهها تحت اشراف دولي.

* ثالثا: الارهاب والمقاومة الشعبية

* يستند ارييل شارون في تصعيد عدوانه الوحشي الى اعمال انتحارية يقوم بها بعض اعضاء حركتي حماس والجهاد، وهنا يجب التوضيح بأن هذه العمليات ما كان يمكن لها ان تتم لو ان القوات الاسرائيلية قد انسحبت من الارض الفلسطينية المحتلة ورفعت الحصار واوقفت اعمال التدمير والتخريب، لانها كانت ستبطل عندئذ الحجج والدعاوى التي يستند اليها هؤلاء، خاصة ان هناك فرقا واضحا بين المقاومة الشعبية المشروعة للاحتلال، وبين الارهاب. ولا تستقيم محاولة شارون تصوير الامور بأنه يحارب ارهاب ياسر عرفات كما يحارب جورج بوش ارهاب بن لادن، فالامر مختلف وشعب فلسطين هو الذي يحارب ارهاب دولة اسرائيل، وليس شارون هو الذي يحارب ارهاب ياسر عرفات.

* رابعا: القرار الفلسطيني

* رغم ان هناك فرقا بين المقاومة الشعبية والارهاب، الا ان هناك فرقا ايضا بين مسؤولية السلطة الوطنية الفلسطينية وبين ما تقوم به بعض التنظيمات مثل حماس والجهاد من اعمال انتحارية، لانه من المفروض في حركات التحرر ان يكون هناك قرار وطني واحد تلتزم به كل التنظيمات، لان السلطة الوطنية المنتخبة هي التي تمثل الشعب امام المحافل الدولية والرأي العام العالمي وامام شعبها ايضا، ولذا فان الانفراد باعمال خاصة من جانب بعض التنظيمات هو امر لا يجوز السكوت عليه لانه يرتد سلبا على دور واحترام السلطة الوطنية ويدفعها الى اتخاذ اجراءات امنية لا ترغب فيها ضد بعض ابناء شعبها الذي تتحمل مسؤولية الدفاع عنه، ويؤدي ايضا الى اعطاء حجة للحكومة الاسرائيلية لارتكاب جرائم عدوانية تؤدي الى مآس والام لشعب فلسطين.

* خامسا: المسؤولية العربية

* لا شك ان تصرفات الحكومة الاسرائيلية قد اصابت الامة العربية بالصدمة والاحباط، واصبح التساؤل عما يمكن ان يحمله المستقبل امرا يشغل جميع المسؤولين والجماهير ويفرض نفسه على ما يجب ان تقوم به الدول العربية مجتمعة في اطار الجامعة العربية أو منفردة في اتصالاتها الخاصة، والواجب الاول يقضي بالدفاع عن شعب فلسطين بوقف اي مساعدات مادية أو معنوية لاي تنظيمات فلسطينية غير السلطة الوطنية الفلسطينية حتى لا يتسرب ذلك الى اعمال عدوانية غير محسوبة خارج اطار السلطة، والواجب الثاني هو بذل اقصى جهد ممكن مع الادارة الامريكية التي اعطت الضوء الاخضر لشارون على اعتبار ان ما يقوم به هو دفاع عن النفس لتوضيح الاخطار التي تنجم عن استمرار الحكومة الاسرائيلية في احتلال الارض الفلسطينية، وتوسيع رقعة المستوطنات ، والوصول بالقضية الى حافة اليأس وما يمكن ان يلحق بمصالحها اذا انفجر الموقف وخرج عن حدود العقل والحكمة.