أيتها الجماهير العربية!!

TT

المعترضون على بيان الجامعة العربية الذي قرره وزراء الخارجية العرب برروا ذلك بأنه «لا يلبي طموحات الجماهير العربية»، وفي بغداد قال طه ياسين رمضان ان أميركا لا تستطيع ان تضرب العراق لأن هذا يتعارض مع رغبة الجماهير العربية، وفي كل انقلاب عسكري عربي يكون البيان الأول موجها للجماهير العربية.

ألسنا بحاجة الى تعريف المقصود باصطلاح «الجماهير»، وهل نحن بحاجة لمعرفة مدى اهمية وتأثير الجماهير العربية، وهل للجماهير العربية دور حقيقي في اتخاذ المواقف الرسمية العربية، وهل يفكر متخذ القرار العربي بالجماهير قبل ان يتخذ قراره، ام اننا ضحية لاصطلاح مضلل لا نعرف له معنى؟

الجماهير ليست كتلة هلامية من البشر، والجمهور العربي تحديدا يختلف عن معنى الجمهور في الدول المتقدمة، فالسياسيون من الدول المتقدمة هم صناعة هذا الجمهور، وصناديق الانتخاب تحدد مستقبل السياسيين، ومع ذلك فلا نرى تبعية انتهازية للجمهور، ونرى سياسيين كثيرين في تلك الدول يتخذون قرارات غير شعبية وخاصة في مسائل الضرائب والاصلاح السياسي، ويتحدون نقابات العمال وينزلون الشرطة الى الشوارع لقمع الجمهور حتى لو كانت الانتخابات على الابواب.

في ازمة أفغانستان الاخيرة حذر بعض السذج والايديولوجيين، من «غضبة» الجماهير الاسلامية، وان الناس ستخرج الى الشوارع وتسقط الانظمة، ورأينا مظاهرات في كراتشي وكويتا قادتها بعض الاحزاب الاسلامية، ولكنها سرعان ما خفتت بينما استمر ضرب أفغانستان، بل ان عدد من نزل الى الشوارع في مدينة كويتا الباكستانية لاستقبال وزيرة الشؤون الاجتماعية الأفغانية الجديدة كان اكثر ممن تظاهروا ضد حرب أفغانستان.

حين كانت حركة طالبان تحكم أفغانستان كان كثيرون يعتقدون ان «الجماهير» مؤيدة لها ولكن ما ان سقطت الحركة حتى قامت الدنيا ولم تقعد احتفالا بسقوط حركة طالبان في كل مدن أفغانستان. والجماهير العراقية التي يتحدث عنها طه ياسين رمضان والتي هي كما يعتقد حامية النظام العراقي، ستسهر حتى الصباح احتفالا لو سقط النظام العراقي.

الجماهير انتخبت هتلر وصفقت له، وانتهت تلك الحفلة بتقسيم ألمانيا وهزيمتها، وجمهور عربي خرج مؤيدا لصدام اثناء احتلال الكويت فانتهى الوضع العربي الى مأساة حقيقية.

يتحدث أحد رجال الدين في الكويت بفخر بأنه اثناء احتلال العراق للكويت كان هناك رجال دين يحركون مشاعر الجزائريين في ملعب للرياضة في العاصمة، وان الهتافات بالروح والدم لصدام حسين تتعالى، ولكن ما ان صعد رجل الدين الكويتي الى المنصة وحرك مشاعر «الجماهير» حتى انقلبت الجماهير واصبحت ضد صدام. وبينما هو يفتخر بهذه الحكاية كنت اشعر بالحزن على حالة جماهير «يحركها» خطيب نحو الشمال، ويغيرها خطيب آخر نحو الجنوب خلال دقائق دون ان تدري وتحلل وتقرأ.

ألسنا بحاجة الى اعادة تعريف معنى الجماهير العربية آخذين في الاعتبار غياب المؤسسات، وغياب الوعي، وضغط العوامل التاريخية والاحباط، والمشروع الصهيوني وانتشار البطالة والأمية لنتعرف على الاقل على معنى كلمة الجماهير العربية، وحتى يمكننا ان نقيس توجهات الرأي العام ونعرف الحقيقة بدلا من الجري وراء اوهام صنعناها وصدقناها ببلاهة؟