تغير صورة العرب في العيون الأميركية

TT

لا توجد أي اخبار جيدة في نتائج إحدث الاستطلاعات للرأي العام حول الرؤية الاميركية لدول الشرق الاوسط وللصراع العربي ـ الاسرائيلي. فقد اظهرت النتائج تراجع التفهم والدعم الاميركيين لاثنين من اهم الحلفاء العرب، وهما مصر والمملكة العربية السعودية، بل ان نسب التراجع في التعاطف هي الاسوأ في كل استطلاعات «مؤسسة زغبي الدولية». شارك في الاستطلاع الاخير الف واربعة من مواطني الولايات المتحدة وذلك بين يومي السابع عشر والحادي والعشرين من شهر اكتوبر، وكانت نسبة الخطأ حوالي ثلاثة في المائة.

لقد تأثرت صورة مصر، اذ قال 38% من الاميركيين ان رؤيتهم لمصر ايجابية واقر 34% ان رؤيتهم سلبية. المقلق اكثر هو تغير الرؤية تجاه المملكة العربية السعودية، ففي استطلاع ديسمبر هذا العام قال 24% ان رؤيتهم ايجابية بينما اشار 58% الى رؤية سلبية للمملكة. وجاء في نتائج الاستطلاع ذاته ان الرؤية الايجابية لاسرائيل وصلت الى 59% والسلبية 28% بينما قال 10% فقط ان رؤيتهم ايجابية للسلطة الفلسطينية، بينما 72% من الاميركيين قالوا ان رؤيتهم للسلطة سلبية.

المقارنة مع نتائج استطلاعات سابقة تظهر التراجع الواضح في رؤية الرأي العام الاميركي لدول الشرق الاوسط بما فيها اسرائيل، وذلك خلال السنوات التسع الماضية. لقد زادت مثلاً الرؤية السلبية لاسرائيل بمقدار الضعف في الشهور الثلاثة الاخيرة هذا العام من 14% الى 28% وتراجعت الرؤية الايجابية للسلطة من 16% الى 10% وارتفعت الرؤية السلبية لها من 64% الى 72% في نفس الفترة.

تغير الرؤية الاميركية الشعبية لمصر والسعودية كان اكثر دراماتيكية، فقد انقلبت الرؤية للمملكة رأساً على عقب في العام المنصرم. في يناير هذا العام كانت الرؤية الايجابية للمملكة بين الاميركيين قد وصلت الى احسن مستوياتها على الاطلاق وبلغت 56%، وكذلك كانت الرؤية السلبية هي الاقل، وانخفضت الى 28%. اما الان فهناك 24% فقط ينظرون بايجابية و58% ينظرون بسلبية للمملكة. اما مصر فقد كانت على الدوام تفوز بأعلى النسب الايجابية بين الدول العربية، واحياناً كانت الرؤية السلبية لها اقل مما هي لاسرائيل، ولكن مصر في الاستطلاع الاخير اقتربت للوسط بين الرؤيتين السلبية والايجابية.

لم يطرح الاستطلاع هذه المرة اسئلة للتعرف على مبررات اتخاذ هذا القرار لدى الاشخاص الذين تم استطلاع آرائهم، ولكن يمكن التعرف على رؤاهم من الاجابات على اسئلة اخرى وردت في الاستطلاع.

عند السؤال ما اذا كانت كل من مصر والسعودية واسرائيل حليفة جيدة ام سيئة للولايات المتحدة، اجاب الاميركيون كالتالي: 28% قالوا ان مصر حليفة جيدة او جيدة جداً، و53% قالوا انها حليفة بمشاكل او حليفة سيئة. وعن السعودية قال 21% انها جيدة، و67% قالوا غير ذلك. وكان نصيب اسرائيل الافضل، اذ قال 52% انها حليفة جيدة للولايات المتحدة و40% قالوا انها اقل جودة او سيئة بالنسبة لاميركا.

من المفيد هنا تذكر ان استطلاع شهر اكتوبر هذا العام اشار الى اسباب الرؤية السلبية لمصر والسعودية بأنها عائدة للحملة الاعلامية القائمة بنشاط ضد البلدين في الولايات المتحدة. وجاء في تبرير المستطلعين ان السبب للسلبية يعود «لعلاقتهم بالارهاب»، «لا يعرفون اين يقفون»، «لا نثق بهم»، «ولا نثق في حكوماتهم».

منذ استطلاع شهر اكتوبر اثبتت الارقام تراجع الرؤية الاميركية تجاه مصر والسعودية، ويمكن الاعتقاد ان السبب في ذلك يعود لحملة البروباغندا المضادة للعرب والقائمة منذ الحادي عشر من سبتمبر، والتي استمرت في التأثير السلبي على الموقف الاميركي العام، وهذا قد يفسر التدهور في ارقام استطلاع ديسمبر.

فيما يتعلق بالموقف الاميركي العام تجاه قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي يستفاد من استطلاع ديسمبر ان الاراء لم تتأثر كثيراً بأحداث 11 سبتمبر. في الاجابة على سؤال: «من هو المسؤول عن المشكلة الحالية في هذا الصراع، اسرائيل أم الفلسطينيون أم كلاهما»؟ قال 61% كلاهما مسؤول عن المشكلة الحالية، هذا مع العلم ان 24% اعتبروا الطرف الفلسطيني مسؤولاً عن التوتر الحالي و4% فقط اعتبروا اسرائيل هي المسؤولة عن ذلك.

وكانت النتائج للاجابات في استطلاعات سابقة على نفس السؤال متقاربة مع الوضع الحالي في اتهام الطرفين معاً عن المشكلة (55% عام 97 و62% عام 98) وكان الذين اعتبروا اسرائيل مسؤولة لوحدها يبلغون 6% في عامي 97 و98 ثم 4% الان، بينما اعتبر 13% ثم 9% والان 24% ان السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن اثارة المشاكل.

يبدو ان الاميركيين بأغلبيتهم ما زالوا يحبذون دور وساطة متوازنة لحكومتهم بين الطرفين في هذا الصراع. لقد ورد في الاستطلاع سؤال حول كيفية تصرف الادارة الاميركية في قضية السلام في الشرق الاوسط، واجاب 39% بأن الادارة تفضل في سياستها اسرائيل، بينما ظن 2% فقط انها تفضل الطرف الفلسطيني. ويعتقد 45% ان الادارة تسير في خط متوازن بين الطرفين. اما اجابة سؤال: كيف تشعر بأن على الادارة التصرف في قضية السلام؟ فقد جاءت الاجابة كالتالي: 17% قالوا ان على الادارة ان تفضل اسرائيل، و2% قالوا على الادارة تفضيل الطرف الفلسطيني، وقال 72% ان السياسة الاميركية يجب ان تكون وسطية.

وكانت الاستطلاعات السابقة قد اظهرت ان الاميركيين يشعرون اكثر واكثر ان حكومتهم منحازة لاسرائيل دون تغيير النسبة لمن ظنوا ان السياسة الاميركية منحازة للفلسطينيين . كما طالب من 15% الى 17% بالانحياز لاسرائيل (3% ثم 2% للفلسطينيين ) وزادت نسبة المطالبين بالتوجه الوسط من 56% الى 72% بين سنوات 97 ـ .2001 وتعني الارقام السابقة ان الاميركيين يعتقدون ان ادارة الرئيس بوش الحالية موالية لاسرائيل اكثر من ادارة الرئيس السابق كلينتون، اذ يظن 39% ان بوش يوالي اسرائيل بينما كان 25% فقط يعتقدون ان كلينتون انحاز لاسرائيل. ويريد 17% من ادارة بوش ان تنحاز لاسرائيل و72% منهم يفضلون لحكومتهم ان تسلك الطريق الوسط بين الطرفين في التوصل للسلام (هذه النسبة هي الاعلى في السنوات الخمس الماضية).

وتوضح هذه النتائج حجم المهمة الملقاة على المعنيين بالحفاظ على علاقات اميركية ـ عربية حسنة. لقد اثرت الحملة الاعلامية المضادة لمصر والسعودية بشكل درامي في الموقف الاميركي العام، ولكن هذا التدهور يمكن وقفه بالجهود المركزة، بل يمكن استعادة الوضع السابق ايضاً.

الخطأ لا يقع على كاهل الشعب الاميركي الذي يغذى منذ شهور بمعلومات دسمة مضادة للعرب من قبل الذين يهدفون الى تخريب العلاقات ويعملون بكثافة مستغلين احداث سبتمبر في نشر التضليل لتدمير الروابط بين الولايات المتحدة والدول العربية. يجب التصدي لمهمة الدفاع والقيام بها قبل المزيد من التدهور الاضافي.

* رئيس المعهد العربي الاميركي في واشنطن