أوهام تبددت.. مع طالبان

TT

وهم كبير عاش معه بعضنا تبدد تماما بانهيار نظام طالبان في افغانستان.. فهذا النظام لا يبدو الان اكثر من فقاعة صابون انفجرت واختفى كل اثر لها بعدما كان بعضنا يعتقد انه نظام منيع وحصين ومحروس بالعناية الالهية.

وواحد من الاوهام الكبيرة ايضا التي تلاشت مع السقوط السريع لنظام طالبان ان افغانستان ليست الا بلدا متخلفا لشعب متخلف.. ولا يستحق، بالتالي، الا نظاما متخلفا. لكن اجتماعات بون بين الاطراف المعارضة لطالبان مطلع الشهر والتي اسفرت عن تشكيل حكومة انتقالية متعددة التمثيل ومراسم انتقال السلطة الى هذه الحكومة منذ يومين اظهرت ان في افغانستان الكثير والكثير من الشخصيات المتحضرة.. سواء باللباس الغربي (الذي لم يعد كذلك فالذين يرتدونه في الشرق والجنوب اكثر من لابسيه من اهل الغرب والشمال) ام باللباس الافغاني التقليدي، الشال (الرداء) والسروال.

كان المجتمعون في بون من قوميات مختلفة وقبائل ومذاهب مختلفة وعقائد مختلفة.. وكانت لهم مواقف مختلفة من ماضي بلادهم وحاضرها ومستقبلها.. تباحثوا واختلفوا في آرائهم وتجادلوا، وانتهوا في الاخير الى ما ينتهي اليه العقلاء.. المتحضرون.. ذوو الاحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم وشعبهم.. وتجاه الشعوب المجاورة، والعالم كله، فالتقوا مع بعضهم البعض عند منتصف طريق كل منهم، وصنعوا الخاتمة السعيدة لاجتماعاتهم.. واجتازوا الخطوة الثانية (بعد خطوة الخلاص من نظام طالبان) لصنع خاتمة للتراجيديا الطويلة التي عاشتها بلادهم.

حتى الذين تخلفوا عن اجتماعات بون غلّبوا مصالح الشعب والوطن على مصالحهم الشخصية ومصالح احزابهم وقبائلهم وقبلوا بروح رياضية باتفاق بون الذي لم يخفوا عدم رضاهم عنه. فالرئيس السابق برهان الدين رباني لم يعلن انه لن يلتزم بالاتفاق ولم يدفع انصاره الى التمرد. بل لم تظهر عليه اية علامة على الضيق والتبرم وهو ينقل السلطة الى رئيس الحكومة الانتقالية حميد كرزاي، بينما حرص الجنرال الاوزبكي عبد الرشيد دوستم على المشاركة في مراسم التسليم والتسلم في كابل وصفق لرئيس الحكومة الجديد مرحبا، كما الآخرون، من دون ان يتمرد، وهو الذي كان في مستطاعه ان يفعل هذا.

وبينما كانت امرأتان تؤديان القسم مع سائر اعضاء حكومة كرزاي تظاهر عدد من النساء خارج القاعة التي جرت فيها مراسم التسليم والتسلم، داعيات الى تدعيم حال السلام في بلادهن وتطبيق برنامج يعطيهن الامل ويمنح اطفالهن الحياة الكريمة.. كن كاشفات الوجوه من دون البرقع المهين الذي ارادت طالبان ان تحبس النساء فيه. وكان ذلك اشارة اخرى على ان افغانستان هي ايضا بلاد للنساء الآدميات وليست النساء الحيوانات كما كانت طالبان تريد.

والوهم الاخر الذي تبدد الان ايضا ان الاسلام ليست له غير صورة واحدة.. هي الصورة التي قدمتها طالبان، حيث يبدو المسلم كارها لكل ما هو مدني ومتحضر وعلمي.. بل معاديا لكل ما هو انساني، ولا يسعى الا لاعادة الزمن الى الوراء قرونا وقرونا والثبات عند لحظة واحدة في التاريخ، وحيث يبدو المسلم حاقدا على منجزات الحضارة الانسانية ولا يريد الا تدميرها، وانه في هذا مفوض بموجب تكليف رباني وحق الهي! اوهام سقطت.. من دون أسف او اسى.. بل بكل سرور.

[email protected]