السيناريو الأكثر رعبا

TT

في عقل كل منا، او على الاقل في ما يسمى العقل الباطني، اي العقل الغامض غير المعبّر عنه، او العقل الاكثر صدقاً مع الذات والاقل شراً مع الآخرين والأكثر ادراكاً لمعاني الخلق والوجود، في عقل كل منا خوف عميق وعام وقديم ومقيم، من ان تكون آسيا هي ساحة الحرب الأكبر، بالمقارنة مع الحربين الكبريين. السذج يخامرهم هذا الخوف، ومديرو مراكز الابحاث والاستراتيجية في العالم، تخامرهم هذه المخاوف. واذا كان المخرج فرانسيس كوبولا قد استعار كلمة «القيامة الآن» عنوانا لفيلمه الشهير عن حرب فيتنام وكمبوديا، فإن السيناريو الاكثر رعباً قد يقع في شبه القارة الهندية، حيث تمتد العداوات القديمة من اول بلاد السند الى آخر بلاد الهند.

انها القارة التي اعتادت وقوع الحرائق الكبرى من دون الحاجة الى اكثر من عود ثقاب. والتطورات السياسية الجارية حالياً بين دلهي واسلام آباد، تعيد الى الاذهان المخاوف على جميع انواعها وعلى كل الايقاعات، وكما اندلعت الحرب الاولى التي ادت الى قيام باكستان، او الحرب الثانية التي ادت الى تفككها وقيام بنغلاديش، فإن الحرب المقبلة لا تحتاج الى اكثر من عود ثقاب جديد، لكن ما قد يبدأ ثقاباً هذه المرة قد ينتهي حماماً من الكبريت، لا حدود له، ولا حدّ. فإذا كان خلل في «تشرنوبيل» قد طالت آثاره اوروبا والشرق الاوسط، يمكن (او بالاحرى لا يمكن) ان نتخيل ماذا يمكن ان يحدث في سلسلة تفجيرات متعمدة ومتبادلة بين دولتين متجاورتين، مكتظتين بالبشر ومدمجتين بسائر انواع الاسلحة المبيدة للناس واشكال الحياة.

كانت الحرب العالمية الاولى (والثانية) مجموعة حروب كامنة تنتظر فقط رصاصة الانطلاق. وكل الحروب الكبرى في العالم هي هكذا في طبيعتها. انها لا تولد من الصدفة لكن الذريعة تفتح لها الباب. او بالاحرى ابواب الجحيم. فما البركان سوى فوهة وشرارة صغيرة بادئ الامر. وشبه القارة الهندية، مثل البلقان، ارض بركانية مزروعة بالالغام وملفوفة بها ايضاً. ولذا قد يتحول حادث صغير مثل حادث الهجوم على برلمان نيودلهي الى بداية النزاع. وعندما وقعت حرب بنغلاديش في السبعينات كان الحكم في نيودلهي هو حزب المؤتمر، الذي يفترض انه اقل عنفاً من سواه. اما الحاكم اليوم فهو اشد واكثر الاحزاب قومية بعدما كان في الماضي حزباً ثانوياً لا يحلم بالوصول. واسوأ ما يمكن ان يقع الآن هو ان تنتقل ساحة الصراع من افغانستان الى باكستان. او ان يجر خصوم برفيز مشرف البلاد الى مواجهة عسكرية ليست مستعدة لها. او ان يتولى ذلك طرف ثالث، مع العلم ان طبيعة الاحتقان ليست في حاجة الى احد.

حتى ولو ظل الانفجار الباكستاني ـ الهندي ضمن اطار السلاح التقليدي، فهو كابوس بشري لا يمكن لاحد ان يعرف مداه. ولا يمكن لأحد معرفة عدد الدول والقوى التي سوف تتورط فيه. ولا يمكن لأحد ان يتخيل كيف سيكون شكل شبه القارة بعد اتساعه. ولا عدد القوميات والايديولوجيات التي سوف تستفيق. ولا حجم الهجرات والموجات البشرية. ولن يكون في امكان كوبولا ان يضع فيلماً درامياً آخر تحت عنوان «القيامة الآن»، لأن الحقيقة سوف تتعدى، كالعادة، كل خيال.