قمة عودة بيروت

TT

يدور نزاع الآن حول مكان انعقاد القمة العربية المقرر اصلاً في بيروت في 27 آذار (مارس) المقبل. فالعقيد معمر القذافي طلب ان تعقد في القاهرة. ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري طلب «بصفة شخصية» تأجيلها، لأنه ضمنا لا يريد مجيء الرئيس الليبي الى لبنان الذي ينتظر منذ عام 1978 عودة الامام موسى الصدر الذي دعي الى طرابلس لحضور احتفالات الاول من ايلول (سبتمبر) مع اثنين من مرافقيه ولم يعد، ومنذ ذلك الوقت والدولة اللبنانية والهيئات الشيعية تحاول جاهدة الحصول على اي شيء حول مصير الامام الصدر ورفيقيه، فيما تصر ليبيا على انه غادرها الى روما، وروما تنفي. وفيما تظل الهيئات الشيعية على موقفها من ليبيا، قررت الدولة نفسها، على ما يبدو، طي الصفحة او بالاحرى تعليقها، بسبب المصالح المشتركة بين البلدين، ويميل رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري الى هذا الاتجاه، بينما يصر رئيس مجلس النواب، وهو الرجل الثاني في البلد، على رفض اي حوار مع ليبيا التي عمدت العام الماضي الى سحب سفيرها. وقبل فترة قصيرة جاء الى بيروت السيد احمد قذاف الدم في مهمة غير معلنة يبدو انه لم يحالفها الكثير من النجاح. وهكذا بقي كل شيء على حاله فيما اقترب موعد القمة واكدته الجامعة العربية رسمياً... في مكانه المقرر. قمة آذار، هي قمة دورية عادية، وليست قمة طارئة مثل مؤتمر وزراء الاعلام الذي تقرر فيه مليون دولار لدحر الاعلام الصهيوني حول العالم. انها ثاني قمة عادية منذ قيام نظام القمة. اي ان تاريخ القمة وموعدها يصبحان امراً مكرّساً مثل الشهور والفصول. وبالتالي لا يعود من الجائز تأجيلها، كما يريد الرئيس بري، ولا نقلها الى القاهرة، كما يريد الرئيس الليبي، نكاية برئيس مجلس النواب اللبناني. فالمكان والزمان هنا، خاضعان للقانون والعرف العام. ولا يجوز تسجيل سابقة والقانون في بدايته، خصوصاً في غياب السبب الطارئ او العاجل كالذي حدا بوزراء الاعلام الى الانتقال الى القاهرة لتخصيص مليون دولار لمواجهة الاعلام الصهيوني ودعم الانتفاضة، على ان يتم التبرع بما تبقى لمواجهة الحصار الاقتصادي الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني. هذه القمة العادية هي من حق بيروت. وبيروت تريد ان تعرض على القادة العرب وجهها الجديد. وجهها الجميل الجديد. وجهها القديم الجديد الجميل ابداً. الوجه الذي اعادت بناءه بمساعدة عدد قليل جداً من الاخوان العرب. ففي زمن السلم تركها الكثيرون بعكس يوم كانت غارقة في القتل والموت، اذ كانت ترسل اليها «المساعدات» من جميع الامكنة لاقامة «لبنان الجديد». القمة العادية التي تقررت في عمان، بموافقة جميع القادة، هي من حق بيروت، فهذه العاصمة الناهضة من الركام والدمار، تريد ان يراها اخوانها العرب في حلة النهوض. تريدهم ان يعرفوا ماذا يمكن ان تفعل بيروت لنفسها عندما تترك لنفسها. وتريدهم ان يروا كيف عاد وسطها القديم معرضاً للعمران والجمال والبهاء، بعدما حوّل طوال سنين الى مجمّع للقتل والجثث والحجارة المرصوفة فوق بعضها البعض. القمة العادية من حق بيروت، اما القاهرة فحقها في ان لها في كل عاصمة عربية قمة ما، وان لكل عاصمة قمة فيها. وليس هناك من سبب يمكن ان يحرم لبنان من هذا الحق. ليس قبل ان يرى اصحاب السيادة كيف استعادت بيروت بهاءها، من دون مساعدات.