مجلس التعاون الخليجي: نقلة نوعية بعد 20 عاما من الحذر والتردد

TT

يمثل اجتماع قمة مجلس التعاون الثانية والعشرين الذي عقد في مسقط أواخر الشهر الماضي منعطفاً هاماً في مسيرة المجلس. فمنذ انشاء هذه المنظومة الاقليمية عام 1981، والكثير من الملفات العالقة يعاد عرضها على القمم المتتالية. واذا كانت قمم المجلس افضل من مثيلاتها التي تعقدها جامعة الدول العربية في انتظام اجتماعاته، فإن طبيعة اجتماعات القمة لا تختلف من حيث هي لقاءات لإدارة أزمات، تتجاوب مع أحداث خارجية إقليمية ودولية ضاغطة، أي اجتماعات سياسية وأمنية اكثر منها اجتماعات لوضع برامج تكامل وتعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم مواطني دوله.

فمنذ انشائه عام 1981، عشية انتصار الثورة في ايران، وفي اجواء الحرب العراقية ـ الايرانية، وما تلاها من سنين عجاف مرت على منطقة الخليج بلغت حضيضها بالغزو العراقي للكويت وعاصفة الصحراء، وقادة دول المجلس يحاولون اطفاء النيران الملتهبة من حولهم والتي وصلت الى تلابيبهم في كثير من الأحيان.

كان التحدي الأكبر، بلا شك، هو ان يفي المجلس بوعده الذي قطعه على نفسه في بيان الإعلان الأول، وهو تنسيق السياسات الاقتصادية بين دوله الست، وتطوير وتنمية مفهوم المواطنة الخليجية على مختلف الأصعدة. من هنا يمكن فهم كلمة الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي التي القاها امام قادة المجلس في اليوم الأول لانعقاده في مسقط، طالبا منهم عدم التمترس بحجج السيادات الوطنية، وبضرورة التكامل والتكتل لحماية المنطقة وتطويرها كبلد واحد.

وبرزت فكرة توحيد التعرفة الجمركية قبل 15 عاماً بهدف الانتقال الفعلي بالعمل الخليجي نحو التكامل الاقتصادي، وخلق سوق خليجية مشتركة. وكانت، وما زالت دول المجلس تفرض رسوما تتراوح بين 4% و 20% على السلع المستوردة من الخارج، مما يجعل من المستحيل تنقل البضائع والسلع في ما بينها. ومع ان التكامل الاقتصادي يحتاج للتنسيق في المجال الصناعي، لا سيما في قطاعي البتروكيماويات والألومنيوم، إلا أن توحيد التعرفة الجمركية هو حجر الأساس الذي احتاجته المنطقة لوضعه اذا كانت جادة بالفعل في خلق سوق خليجية مشتركة.

ومع أن قمة 1999 قررت توحيد التعرفة الجمركية في عام 2005، فقد عجلت قمة مسقط بالتاريخ الى 2003، شجعها في ذلك الموقف الذي اتخذته دولة البحرين، بالذات باعتبار التعرفة الجمركية الموحدة 5% من يناير الحالي، وتشمل جميع السلع الاجنبية المستوردة من خارج الاتحاد الجمركي، باستثناء السلع المعفاة بموجب قرار 1999. ويشمل هذا الاعفاء 53 سلعة غذائية وطبية اساسية.

كما خطا المجلس خطوة عملية اخرى بدعوة محافظي البنوك المركزية ومؤسسات النقد للعمل على وضع المعايير الاقتصادية اللازمة لنجاح قرار توحيد العملة الخليجية، والتي حدد لها يناير 2010 كحد اقصى، وبعد جهد طويل اعتمد المجلس الاتفاقية الاقتصادية الجديدة محل اتفاقية 1981.

ويرى مراقبون اقتصاديون ان اجهزة المجلس تحتاج الآن للعمل على ترجمة هذه القرارات السياسية الى واقع عملي تستفيد منه اقتصاديات المنطقة، والعمل على فرض برامج التكامل الاقتصادي، والاستثمار المتبادل واستغلال امكانيات كل دولة في المجلس لدعم الدول الاخرى، سواء كان ذلك في مجال الصناعة أو السياحة او التجارة والتصدير (أو اعادة التصدير)، والظهور بمظهر القوي في الحوار مع الاتحاد الاوروبي وغيره من التكتلات الاقتصادية العالمية، وكان الاتحاد الاوروبي قد اصر على شرطي توحيد التعرفة الجمركية والسعي للتوحيد النقدي لإبرام اتفاق يتم التشاور بشأنه منذ عام 1988، ويهدف الى تخفيض الرسوم التي تفرضها أوروبا على الواردات من دول المجلس. من جهة اخرى، وكما هو متوقع أعلن عن إنشاء مجلس دفاع مشترك، وتطوير قوات درع الجزيرة بحيث تصل إلى 20 ألف مجند، بعد أن راوح العدد، منذ انشائها، حول أربعة إلى خمسة آلاف. وكانت قمة المنامة في العام الماضي، قد أقرت اتفاقية الدفاع المشترك التي تلزم الدول الست بالدفاع عن أي بلد عضو يتعرض لتهديد أو خطر خارجي. وكان الفريق الركن صالح بن علي المحيا رئيس اركان القوات المسلحة السعودية قد أعلن يوم 21/11/2000 عن أن هناك مدينة عسكرية يتم انشاؤها بمدينة خالد العسكرية في حفر الباطن، وستخصص لقوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي. واعلن المحيا ان القوة الجديدة ستنمو الى حوالي 25 ألف جندي، حيث سيتم تزويدها بأسلحة ثقيلة وقوات جوية وقوات بحرية ملحقة بها. ومن المنتظر الانتهاء من العمل في المدينة العسكرية في غضون أربع سنوات، وبكلفة 267 مليون دولار امريكي. كما اشار تقرير عسكري للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، الى أن دول المجلس في صدد اقامة «حزام التعاون» بكلفة 85 مليون دولار، وهو نظام لتحديد ومراقبة الطائرات العسكرية في اجواء الدول الست لاعطاء انذار مبكر عن أي محاولة معادية لاختراقها. وتأتي اقامة هذا الحزام، الذي قد يتطور ليشمل مراقبة صواريخ قادمة بناء على اتفاق وزراء الدفاع في دول المجلس الذي تم في ابوظبي 1999، والقاضي بإقامة شبكة مراقبة وتحكم وتجسس لحماية «هلال» النفط في الخليج.

على صعيد العلاقة مع اليمن، الذي ألح ويلح على الانضمام للمجلس، وهو أمر كان مستحيلا في ظل عدم حل المشاكل الحدودية العالقة بينها وبين كل من السعودية وعمان، فقد بدأ المجلس خطواته الأولى لضم اليمن الى مؤسساته المختلفة، وهو منهج التدرج والحذر الذي عرف عن دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم ان اليمن الرسمي والشعبي رحبا بهذه الخطوات، فإن بعض ما كتب في الصحافة اليمنية اعتبر عدم منح اليمن العضوية الكاملة «غطرسة» خليجية غير مبررة. اما الرأي العام الخليجي، وما طفح منه في وسائل الإعلام، فقد رحب بانضمام اليمن الى بعض مجالس الوزراء كالتربية والتعليم والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية ومنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية، معتبر ذلك خطوة عملية كبيرة نحو الضم النهائي لليمن الى المجلس الذي اصبح الآن مسألة وقت فقط، ويرى مراقبون أنه لو لم يوقع اتفاق الحدود السعودي ـ اليمني، لما امكن القيام بخطوات الاشراك التي اعلنت في مسقط. اذا، يمكننا ان نعتبر قمة المجلس الثانية والعشرين في مسقط نقلة نوعية في مجالات الاقتصاد والأمن والسياسة لو استمرت وتيرتها، فإن المنظومة الخليجية تكون قد انتقلت من منطقة التردد والحذر، الى العمل الجاد على تكامل، ان لم يكن توحيد، هذا الجزء من العالم العربي الممزق الأشلاء.

* كاتب بحريني