جدلية الخبز والورد في كيمياء الحب

TT

يقال ان للحب كيمياء، وانها هي التي تولد الشعور بالابتهاج والسعادة. فعندما «نقع» في الحب تفرز أجسادنا مادة يطلق عليها العلماء مصطلح PEA أي ما يعرف بـ«فيني ليثلامين» وهي بالمناسبة نفس المادة التي تتركب منها الشكولاته وتعطي الإحساس بالسعادة. بالطبع لا أقصد هنا الشكولاته، مع أنها تغري بالحديث عنها، لذلك أعود لموضوع كيمياء الحب التي تتفاعل بالجسد عندما تشتعل شرارة الحب بين كلا الطرفين، والتي تندلع كالكهرباء لحظة تلاقي روحين. أما أعراض تلك الطاقة غير الملموسة التي تمر بأجسادنا فالسكوت عنها هنا أفضل، خاصة مع عدم جواز الوقوف عند حدود الحروف، فالحرفان (ح) + (ب) لا يمكن الارتكاز عليهما. اننا نعرف، منذ قديم الأزل، ان كلمة ماء وحدها لا تروي ولا تسقي عطشانا. ان عطش السيدة هاجر وصراخ ابنها سيدنا إسماعيل في مهده هو ما يروينا إلى يومنا هذا. وعليه، فإن كلمة حب وحدها لا تسقي ولا بد من الاجتهاد في البحث عما يؤجج الحب ويدفئ المشاعر.

حتى الآن لم يجد الفلاسفة حلا سحريا يضمن توهج شعلة الحب وتدفق الطاقة بين المحبين، اذ يعاني السواد الاعظم من المحبين من تناقص شحنات الحب مع مرور الوقت، ومن ظهور مشاكل تخمد من ذلك التوهج وتدفع الفلاسفة للبحث نحو حل لغز الحب. غير أن البعض يرى ان المعادلة بسيطة، وانها لا تحتاج لجهود سحرية، إذا تفهم الطرفان، المرأة والرجل، معادلة الحب بطرفيها: الخبز والورد. ولمزيد من الإفصاح ـ لا التعقيد ـ في الحديث عن معادلة الحب، لعله من المفيد شرح الاختلاف الحاصل في طريقة ترجمة الحب عند كلا الطرفين، فكلاهما يفسر الحب بطريقته ويشعر الآخر بالحب والاهتمام بالطريقة التي يعبر عنها، ولا مكان لاستياء أو تذمر من أسلوب كلا الطرفين في التعبير عن حبه.

فالرجل عندما يحب يظهر ذلك عبر توفير الخبز لمن يحب، أي من خلال ممارسة دوره في المعادلة بالتفاني في العمل الشاق حتى لو كان ذلك على حساب نفسه، وبالتالي تغيب عن باله عبارات الإطراء والتدليل التي تظهرها الانثى باعتبارها المسؤولة عن الجانب الأخر من معادلة الحب: الورد.

وعليه، تبدع المرأة كلما ارتفع إكسير الحب في مشاعرها بإظهار حبها عبر سيل متدفق من المشاعر ومخزون التدليل والاهتمام، حتى اذا كان ذلك على حساب عملها أو وظيفتها، بخلاف الرجل الذي لا يمكن أن يضحي بنجاحه بعمله أو مركزه الوظيفي، لأنه عبر الخبز وليس الورد تكون كينونة الرجولة، وعلى المرأة ان تفهم ذلك جيدا وان تبتعد عن الاعتقاد بأن في ذلك أنانية حتى لا تضايق مشاعر الرجل، فهو يزعجه تذمر المرأة من تفانيه بالعمل، بل يحبطه ذلك التذمر ويشعره بعدم تقدير الأنثى لمقدار الجهد الذي يبذله في سبيل نجاح طرفي المعادلة من خلال القيام بدوره أمام فرن التنور للحصول على الخبز.

نعم، على المرأة الابتعاد والحذر من إبداء تذمرها من انشغال الرجل بالعمل باعتبار ان في ذلك شرخا للعلاقة، وجرحا لكبرياء الرجل، والامر نفسه ينسحب ايضا على الرجل إذا ما تضايق من تدفق مشاعر الأنثى.

ونخلص الى اشارة بان على كلا الطرفين تقبل الآخر كما هو، وعدم المطالبة بالتفكير بمنطق الآخر، أو حتى مجرد تخيل إمكانية تبادل الأدوار، اي اهتمام الرجل بالحديقة والزهور والمرأة بالتنور والخبز.

وليس المهم هنا أن تختمر تلك المعلومات في الذهن، بل الأهم من ذلك هو تذكر تلك المعادلة لحظة توفر كيمياء الحب، فقد جرت العادة أن ينسى المحبون كل المعادلات والقوانين في تلك اللحظة التي تحجب الرؤية عن عيوب كثيرة لا يتم الالتفات إليها إلا بعدما تخمد شعلة الحب، واجمل ما قيل في ذلك هو ما قيل قديما في الموروث الشعبي: «الحب أعمى». وقطعا... يبقى التذكير بجدوى تفهم طلاسم تلك المعادلة، مع الأخذ بعين الاعتبار استحالة الخروج بوصفة طبية تصرف للمحبين ويمكن عبرها علاج أعراض العشق، فطبائع البشر ببساطة مختلفة، وسيظل الجدل مستمرا حول سحر الحب وأساليب إعادة بريقه.

* كاتبة سعودية NADAJOURNALIST.COM