لئلا تموت البحار

TT

معظم المجلات والمنشورات العلمية تتحدث هذه الايام عما يحدث في بحار العالم ومحيطاته. فقد اصبحت على شفير الهاوية لا تقوى على دعم الحياة البحرية فيها. كما تتحدث ايضا عن السبل الكفيلة لاعادتها الى سابق عافيتها.

فقد ذكر بحث في مجلة «نيتشر» ان كميات السمك المتوفرة في مياه العالم هي في تدنٍ مستمر، وان الوضع اكثر سوءا مما كان يعتقد في السابق. واحد الامثلة العديدة على ذلك ان الصينيين الذين يعتمد قطاع واسع منهم على الاسماك في معيشتهم كانوا يبالغون في الكميات التي يزعمون انهم يصطادونها، ويذكرون ذلك في تقاريرهم المرفوعة الى الامم المتحدة، لئلا ينبهوا العالم للكارثة التي قد تحيق بمياه العالم.

المثال الثاني ورد في مجلة «ساينس» وأفاد ان محميتين بحريتين صغيرتين احداهما قبالة ساحل فلوريدا في الولايات المتحدة، والاخرى قبالة منطقة الكاريبي، كانتا قد أغلقتا في وقت سابق امام الصيد البحري عادتا الى عافيتهما السابقة، بل ان المناطق المحيطة بهما وفرت صيدا وفيرا، مما يدل على ان البحار والمحيطات قادرة على مداواة جراحها والعودة سليمة معافاة لو اعطيت الفرصة لذلك. لكن الذي يحصل ايضا ان اساطيل الصيد تتجه في مثل هذه الحالات الى المناطق القريبة من المحميات للاستفادة من الاسماك وثمار البحر الوفيرة التي تتسلل من المحميات اليها. وهذا ما يعيق عادة عمليات الاسترجاع والنقاهة. لكن التقارير الرسمية لمعظم الدول المرفوعة الى الهيئات العالمية، كما ذكرنا انفا، تحاول دائما ان تصور الاوضاع أفضل مما هي عليه لتحافظ على فائدتها من الثروة السمكية والبحرية، ولو على حساب البيئة، وتهديم مصادر كوكب الارض الطبيعية.

في اي حال فان الثروات السمكية التي تشكل مصدرا غذائيا وتجاريا مهما لاغلبية بلدان العالم مستمرة في التدهور والانحدار بسبب الصيد الزائد عن الحد والاستعانة في ذلك بأساطيل صيد جبارة مجهزة بأحدث ما انتجه عصرنا من تقنيات عالية، كأجهزة الرادار والكومبيوتر المعقدة، ومعدات الرصد القادرة كلها على تجريد مناطق بحرية واسعة بأكملها من اسماكها، وتركها مياه جرداء لا قدرة لحياتها البحرية على استعادة ذاتها، ومن ثم التكاثر والتجدد. ومعظم هذه الاساطيل مدعومة من حكوماتها، مما يوفر لها حماية مالية وسياسية، وتغطية اعلامية ايضا على المخالفات التي ترتكبها.

كذلك هناك التلوث الزراعي ونفايات المدن التي تتسرب الى المياه لتقتل الاسماك وتحرم المياه من الاوكسجين الضروري للحياة.

الامر الآخر الذي يزيد من تفاقم المشكلة هو الدمار الحاصل للمناطق المائية والرطبة في اليابسة، من مستنقعات وبحيرات وغيرها، التي تشكل حاضنات لوضع البيوض للعديد من الفصائل البحرية، فضلا عن التلف الشامل الذي تعاني منه الشعب المرجانية في العالم كله وهي تشكل بيئة فريدة من نوعها لتكاثر الاسماك واستيطانها.

ورغم جميع هذه الكوارث، فان معظم الحكومات العالمية لا تقوم بأي اجراءات جذرية لوضع حد لمثل هذا التدمير المستمر.

الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون انتظر حتى نهاية عهده قبل ان تثور فيه الحماسة البيئية ويقرر اتخاذ اجراءات جذرية للحد من تدهور فصائل السمك السيّاف (سوردفيش)، وبالتالي اعلان محمية مائية طبيعية كبيرة قبالة ساحل هاواي، واخرى قبالة فلوريدا كيز.

لقد مضى حتى الآن 30 عاما على الانذار الاول الذي اطلقته الهيئات الدولية بالتعاون مع بعض البلدان المعنية بتناقص الثروة السمكية التي تطعم قطاعا واسعا من سكان هذه المعمورة، ولكن لحد الآن لم تتخذ اي اجراءات في هذا السبيل، بل امعنت الدول البحرية المختلفة في ارسال اساطيل صيدها الى المياه الاقليمية للدول الاخرى لصيد اسماكها بل بالاحرى سرقتها، مما فجر خلافات شديدة انتهى بعضها بنزاعات مسلحة وحوادث اطلاق نار.

العالم مدعو اذاً، وبسرعة، لفرض محميات مائية واسعة لانقاذ محيطاته وبحاره والاعتناء ببيئتها، وإلا فقد يصبح الامر متأخرا جدا.