سعداء.... ولكن

TT

ذات يوم بعيد أحصى الخليفة عبد الرحمن الناصر أيام السعادة في حياته المديدة فوجدها خمسة عشر يوما، واذا علمت ان مدة حكم هذا الخليفة كانت الاطول في تاريخ الاندلس فيا ليت شعرك كم كانت نسبة السعادة بين الرعية اذا كان الذي يملك كل شيء لا يستطيع ان يحصي اكثر من اسبوعين ويوم من أيام السعادة..؟.

علميا لم يدرس الاوائل السعادة من خلال الارقام والعوامل والاحصائيات كما تفعل الجامعات المعاصرة وآخرها جامعة «ووريك» البريطانية التي اصدرت الاسبوع الماضي نتائج دراساتها الاكاديمية عن السعادة لنكتشف كما سبق أن توصل القدماء من دون استفتاءات واحصائيات بأن السعادة هي في الغالب الاعم مجرد سراب.

لقد درس طلاب جامعة «ووريك» عشرة آلاف حالة لأشخاص ربحوا «اللوتري» (اليانصيب) او ورثوا الملايين، ووجدوا علميا ما كنا نخمنه فكريا فأكدت ارقامهم وحالاتهم ان المال لا يصنع السعادة وربما كان مفعوله عكسيا، فهناك شاب ربح مليونا ونصف مليون جنيه وخسرها ثانية خلال عام ونصف بعد ان تحول الى مدمن ومتشرد وفقد حماس الطموح الذي يعتبر الوقود المحرك لكل شاب.

وعلى صعيد الأمة تبين ان دخل المواطنين جميعا قد زاد خلال ثلاثين عاما، لكن نسبة السعادة قلت وتقلصت خلال هذه الاعوام. وتبين الدراسة ان مرحلة الشباب هي الاقل سعادة، فالطفل والمراهق يكونان اسعد حالا ثم تبدأ نسبة السعادة بالانحدار الى ان يصل الانسان الى سن السابعة والثلاثين وعندها يبدأ الخط البياني لسعادته في الصعود، هذا عن الرجال، اما النساء فالسعادة عندهن تبدأ بعد الاربعين.

وتلمح هذه الدراسة العلمية عن السعادة الى ان التغيرات المادية نادرا ما تسعد الانسان، وان العامل المؤثر أكثر من الفلوس هو اسلوب الحياة. فحين ترضى عن اسلوبك في الحياة وتكون في العمل الذي تحب، والمكان الذي لا يثير غيظك، فإن حظوظك في ان تكون سعيدا هي الاعلى.

ويقول البروفيسور ديفيد جونز استاذ المؤشرات الاجتماعية ان القدرة على التمتع بالحياة موهبة لا يمتلكها كثيرون، فليس المهم ان تمتلك الاشياء لكن الأهم هو ما تفعله بما تمتلكه، فكم من مليونير شاب يعيش شحاذا ويموت محروما لان خوفه الدائم من الفقر يمنعه من التمتع بما عنده من مال وشباب، ناهيك من البخلاء على انفسهم ونسبة هؤلاء أعلى من نسبة البخلاء على الناس.

وقد قيل قديما ان القناعة كنز لا يفنى، ولك ان تضيف ان السعادة كنز لا يمكن العثور عليه بسهولة، وغالبا ما يكون كنزك كما في رواية بولو كويلو (الخيميائي) تحت وسادتك في مسقط رأسك لكنك لا تبصره وتذهب الى اقاصي الارض بحثا عنه.

وبما اننا بدأنا بالخلفاء والملوك فبهم نختم، فهناك اسطورة جميلة عن ملك اصابه مرض شديد فقال له الحكماء والاطباء لن تشفى الا بعد ان تدثر نفسك بقميص رجل سعيد. وعلى الفور انطلقت كتائب الجند في كل مكان لتعثر على رجل سعيد تخلع عنه قميصه وتعود به لملكها المحبوب.

وبعد ان تم بحث المملكة شبرا شبرا لم يجد الجند ضالتهم، وقرروا العودة خائبين، وكانوا قد وصلوا في تلك اللحظة الى غابة على الحدود فوقفوا قليلا يستريحون ونزل قائدهم بقرب كوخ حطاب سمعه يقول: الحمد لله لقد وجدت قوت يومي وصحتي معي وعندي سقف يؤويني فانا أسعد مخلوق على وجه الأرض.

وقد فرح القائد فرحا عظيما بعثوره على ذلك المواطن السعيد، فأمر جنده في الحال باقتحام الكوخ للاستيلاء على قميص الحطاب، ونفذ الجند الأوامر ودخلوا الكوخ، ولخيبتهم وخيبة قائدهم الذي كان يمني نفسه بمكافأة عظيمة وجدوا الحطاب من فقره بدون قميص يستر جسده السعيد.