إدارة بوش ترقص مبكرا على أنغام انتصار بعيد

TT

حيثما يمتد بصرك، هذه الايام، ترى فريق بوش في جذوة المنتصرين على جبال الاوليمب. يقفون امام المصورين واثقين من انفسهم، يُستقبلون في كل مكان كأبطال منتصرين في هذا العرض الهزلي. ويقارن بوش بثيودور روزفلت ورونالد ريغان وهاري ترومان، وتكون المقارنة دائما لصالحه. ويطلق على ديك تشيني لقب «الصخرة» بدلا عن المثقاب، وكولين باول لقب «الضمير». وتحولت نقاط ضعف بوش الى نقاط للقوة.

كتب كرستوفر بكلي في احدى المجلات:

«كان سلفه مستعدا لقضاء الليل كله في مجادلة حول طبيعة الشر، وهو يورد المقتطفات من شوبنهاور ونيبور، حتى تبدأ الطيور زقزقة الصباح. هل يعد مثل هذا التركيب العقلي المعقد، مزية بالنسبة للقائد العام للقوات المسلحة، ام نقيصة؟».

ونشرت مجلة «نيوزويك» هذا الاسبوع صورها الدرامية المصاحبة لمقابلات اجرتها مع الوزراء حول «كيف كسبوا الحرب؟» قال رئيس الاركان في وزارة الدفاع، سكوتر ليبي: «لو كان عليهم ان يختاروا فريقا من النجوم، لاختاروا بعضهم البعض».

وتنشر «ان بي سي» صورا مصقولة للرئيس ونائبه، ولا تقع العين على الكعكة القاتلة بالطبع، وتحاول تصوير اليوم الذي قضاه توم بروكو في البيت الابيض، كلحظات مثيرة «داخل الجناح الغربي الحقيقي».

وفي الاسبوع الماضي كان كارل روفا ينبه الجمهوريين الى انهم يمكن ان يمتطوا هذا الحصان الذي خاضوا عليه الحرب ليحقق لهم اغلبية في مجلس الشيوخ. ورفع الديمقراطيون عقائرهم صائحين ان الجمهوريين اضفوا صبغة حزبية على الحرب. وهل تحتاج «سي ان ان» الى تذكيرنا بجاذبية بولا زان؟ الشيء الوحيد المدهش هو ان روفا اعلن ذلك على الملأ.

وتستبد بالجمهوريين الفرحة لان استطلاعات الرأي اوضحت ان الاميركيين عادوا، مجددا، يرون الحزب في صورته الابوية القوية ساهرا على حماية بندروسا من الوحوش والقراصنة.

ان المرء ليتردد كثيرا في التشويش على مشاهد عناق المنتصرين وصدورهم المزهوة وهم يستعدون للتصوير وتبادلهم لميداليات النصر. ولكن هناك جزءاً مني يريد ان يعرف: هل انتهت الحرب فعلا، هل انتصرنا ام لم ننتصر؟.

لا شك في ان تحرير افغانستان يعد شيئا رائعا. ومن الامور الجديرة بالثناء اننا التزمنا بتوفير ما يقرب من 300 مليون دولار لتحويل هذه الديار القديمة للحروب القبلية، الى شيء يشبه ديمقراطية حديثة.

ولكن، وكما كان يغني بيغي لي العظيم، هل هذا كل ما هناك؟ ألم يكن من اهداف الحرب الهامة ان نلقي القبض على الشرير، حيا او ميتا، وعلى سيده ذي العين الواحدة؟ يتحدث مسؤولو الادارة ملء اشداقهم ويقولون لنا اننا لم ننتصر بعد، ولكنهم يتصرفون وكأننا انتصرنا. وينصحوننا بأن نتحلى بالصبر، وان هذه حرب طويلة الاجل. ولكن لانهم متلهفون للثناء السريع، ولاستغلال الحرب لنيل الاهداف السياسية، فانهم يعلنون النصر من على كل المنابر.

واذا وضعنا في الاعتبار الاهداف التي حددها الرئيس في سبتمبر (ايلول)، نجد انه من المبكر جدا على المستر روفا الرقص على انغام النصر البعيد. ومما يخدم اهداف الادارة تعريفها للنصر بعبارات تجعله متحققا. وهذا ما فعله فريق بوش عام 1991. ولانهم قالوا ان النصر هو طرد العراق من الكويت، فقد انسحبوا في نفس الوقت الذي كانوا يتقدمون.

ولكن التاريخ له معايير في تحديد النصر اكثر صرامة من المعايير الزائلة التي يحددها المستشارون الرئاسيون. وقد حكم التاريخ بأن تحديد بوش للنصر في حرب الخليج كان ضيقا الى ابعد حد.

هل يمكن ان نكون قد انتصرنا اذا تركنا مهندس احداث 11 سبتمبر، وحاميه الملا محمد عمر، يفلتان من بين ايدينا؟ نحن نسمح للباكستانيين بتهريب بعض اكبر قادة طالبان على متن طائراتهم، انه امر بالغ السوء. فمن يعرف اين هم الآن، وما اذا كانوا يخططون لهجوم جديد؟

عندما سئل دونالد رامسفيلد اين يمكن ان يكون بن لادن، قال انه يمكن ان يكون في افغانستان، او السودان، او الشيشان، او الصومال او كشمير، او العربية السعودية او اليمن. وعندما سأله روسرت عما اذا كان من الممكن ان يعلن الاميركيون نهاية الحرب دون القبض عليه، اجاب وزير الدفاع «في الحقيقة، نعم».

في الحقيقة لا... يمكن الا يتعرض رامي (رامسفيلد) لطعنة خنجر يسددها له اسامة على سطح احدى السفن الحربية الاميركية، ولكن مع ذلك يجب ان نوقف التهاني السابقة للأوان ونحاول انجاز المهمة واكمال ما بدأناه. ودعونا نعرف النصر بمقاييس التاريخ وليس بمقاييس الساسة.

* كاتبة اميركية ـ خدمة «نيويورك تايمز»، خاص بـ«الشرق الأوسط»