تمرير المرحلة الصعبة بأقل ثمن!

TT

واشنطن تتهم حزب الله بأنه يعيق احياء عملية السلام على المسارين اللبناني والسوري، وتتهم حركتي حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين بأنهما تعيقان احياء عملية السلام على المسار الفلسطيني. وتضيف تل ابيب على لائحة الاتهام الاميركي «حركة فتح» وتلصق بياسر عرفات وبالسلطة الفلسطينية كل انواع التهم، بما فيها تهمة افشال عملية السلام.

اما الواقع فيدل بوضوح كلي ان ارييل شارون هو الذي لا يعترف بالاتفاقات مع الفلسطينيين بما فيها اتفاق اوسلو، ويسعى جاهدا الى التنصل بكل الوسائل من عملية السلام برمتها.

واغرب ما في الامر ان واشنطن، وهي راعية السلام والقوة الاعظم، لا تعرض «افكارا» او «خطة سلام» على الاطراف المعنية بالصراع العربي ـ الاسرائيلي كي يكون باستطاعتها اتهام تلك الاطراف باعاقة عملية السلام. فليست هناك عملية سلام جارية لتتهم احدا بعرقلتها، جل ما في الامر ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول عرض في خريف العام الماضي «رؤية» اميركية للحل. ولا يلمس أحد في المنطقة ان الادارة الاميركية بصدد بلورة هذه «الرؤية»، على العكس فإننا نسمع كلاما من مستشارة الامن القومي الاميركية كونداليزا رايس يختلف عن «الرؤية» الاميركية المعلنة. وفي كل حال لا يمكن لواشنطن ان تتهم أحدا بعرقلة «رؤياها» لسبب بديهي انها غير مطروحة للتداول.

اما اذا كان المقصود باتهام تلك المنظمات انها تعيق الجهود الاميركية الهادفة الى تثبيت هدنة فلسطينية ـ اسرائيلية، فإن الحكومة الاسرائيلية هي التي تعيق وبقدر اكبر هذه الجهود. ارييل شارون مصرّ على فرض هذه الهدنة بالقوة، وقد بات الرأي العام الاسرائيلي يؤيده تأييدا تاما على الرغم من انه لم يجلب الامن الذي وعد به خلال مائة يوم وقد مرّ على تسلمه السلطة ما يقارب العام، كما ان الادارة الاميركية باتت تمنحه بعد 11 ايلول (سبتمبر) ثقة واسعة على خلاف ما كان عليه الوضع في السابق.

ومع ادراك واشنطن ان حكومة ارييل شارون عرقلت وما تزال تعرقل كل هدنة تكافح السلطة الفلسطينية لتثبيتها، فإنها لا تتوانى عن تبرير الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين، وترفض في المقابل ان تتفهم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي. وما دامت واشنطن تبرر اعتداءات اسرائيل في المناطق الفلسطينية، فلماذا لا تنظر بالمنظار عينه الى النشاطات الفلسطينية في مناطق الاحتلال الاسرائيلي؟ وكأن الاعتداءات الفلسطينية ضد المحتل الاسرائيلي تهدد السلام، في حين ان الاعتداءات الاسرائيلية ضد الفلسطيني هي الطريق الى التسوية السلمية! ان السياسة الاميركية غير المتوازنة والمنحازة الى اسرائيل لن تقيم سلاما عادلا وشاملا ودائما في المنطقة. ومشكلة العرب ولا سيما الفلسطينيين واللبنانيين ان الولايات المتحدة تتقبل النظريات الاسرائيلية في شأن الحركات الجهادية الفلسطينية، بما فيها حركة المقاومة في لبنان، ولا تصغي الى ما يقوله الفلسطينيون واللبنانيون وكل العرب! وعشية تصويت مجلس الامن على قرار تمديد عمل القوات الدولية في جنوب لبنان، قام المندوب الاميركي لدى الامم المتحدة جون نيغروبونتي بجولة في المنطقة اجرى خلالها محادثات في كل من دمشق وبيروت. دمشق، وهي العضو غير الدائم في مجلس الامن الدولي والمهتمة بشكل مباشر بالوضع اللبناني، وبيروت المعنية مباشرة بالتمديد وتطبيق القرار الدولي 425، حريصتان ان تبقي الامم المتحدة قواتها لحفظ الهدوء على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية، ولتشهد على الخروقات الاسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية.

ويبذل لبنان وسوريا كل الجهود لتعاون مثمر مع الولايات المتحدة في حملتها ضد الارهاب، غير ان تعاونهما لا يصل الى حد التضييق على نشاطات حزب الله او على نشاطات المنظمات الفلسطينية المتواجدة على ارض كل منهما. وبقدر ما يلتف اللبنانيون حول الحزب، بقدر ما يتوجب على الحزب ان يستمع الى كل اللبنانيين. انا واحد من الذين يؤيدون حق لبنان بالمقاومة الى حين خروج آخر اسرائيلي من آخر متر من ارض لبنان، ولكني ارى في الوقت الراهن، وخصوصا في اعقاب 11 ايلول (سبتمبر) المنصرم، ان كل عملية عسكرية ضد الجيش الاسرائيلي عبر الحدود اللبنانية تعرض لبنان الى ردات فعل كبيرة وسهلة التبرير من قبل اسرائيل.

واذا كانت اسرائيل تساعد الولايات المتحدة في حملتها على الارهاب، فإن لبنان وسوريا يساعدان، او هما على استعداد كامل لمساعدتها في الحملة نفسها. وهما يلقيان بعض التقدير من واشنطن، لكنهما لا يخفيان انزعاجهما من اثارة موضوع حزب الله من الجانب الاميركي.

غير ان المشكلة الاساسية هي ان ابقاء موضوع حزب الله في واجهة الحملة الاميركية على الارهاب يرضي اسرائيل وينعكس سلبا على لبنان من الناحيتين السياسية والاقتصادية، فالحملة الاميركية على حزب الله تضيع على لبنان فرصة جذب الاستثمارات، مما يقوض جهود الحكومة لاخراج البلاد من ازمتها الاقتصادية الخانقة.

واذا كان رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري يرى بأن عمليات المقاومة في مزارع شبعا هي عمليات غير مجدية، فإن التصنيف الاميركي لحزب الله بين المنظمات الارهابية هو ايضا غير مجد، والضرر الذي كان من الممكن ان تلحقه عمليات المقاومة بالنهوض الاقتصادي اللبناني يوازي ما تلحقه واشنطن اليوم بالبرنامج نفسه.

وفي ظل التصنيف الاميركي لحزب الله ارتفعت وتيرة الضرر على لبنان اقتصاديا وماليا اكثر فأكثر. كما تضررت مشاريع التنمية التي اعدتها الحكومة اللبنانية، وتضررت مصداقية الحكم والحكومة، كما تضررت في المحصلة صداقة لبنان بالولايات المتحدة.

ولو سلمنا جدلا ان التصنيف الاميركي لحزب الله في محله، فهل يعقل ان تضغط الولايات المتحدة على الحكومة اللبنانية من أجل توريطها في صدام مع حزب الله لا تستفيد منه سوى اسرائيل؟

وهل يعقل ان تعاقب الولايات المتحدة مجموع الشعب اللبناني لمجرد ان العدالة الاميركية تلاحق ثلاثة شبان لبنانيين لم تثبت بعد علاقتهم المباشرة بحزب الله؟ او لمجرد ان العدالة الاميركية تطارد حزب الله وتطلب تجميد ارصدته بقصد وقف نشاطاته خارج الاراضي اللبنانية ووقف دعمه للانتفاضة الفلسطينية؟

وأي حوار هذا الذي يجري بين بيروت وواشنطن اذا كانت واشنطن لا تنفك تثير موضوع حزب الله وتضغط لعرقلة الجهود الاقتصادية التي تبذلها الحكومة اللبنانية؟

واخيرا ارى ان مفتاح الاقتصاد هو بيد العرب إذا تضامنوا، وبيد واشنطن اذا عدلت، مع فارق كبير ان واشنطن عازمة كل العزم على الضغط على لبنان، اما العرب فهم منقسمون على بعضهم ولا يضغطون في أي اتجاه.

لا ننتظر شيئا من الولايات المتحدة.. ولكن تعبنا من انتظار العرب ايضا.