الأميرة والصغيرة

TT

كفاك تلعب دور العاشقين معي وتنتقي كلمات لست تعنيها هل اصابك المس يا فتى...؟ الاخبار تقول ان التي ماتت الاميرة مارغريت شقيقة الملكة وانت تتذكر نجاة الصغيرة هذه التي تجاوزت الستين، وما تزال صغيرة، وستظل، فبعض البشر كبعض العشق يبدأ بحجم معين ثم تعجز الايام عن تغيير شكله ومحتواه، فيظل كبيرا وكالهلال في قمة اكتماله مستديرا.

لماذا أحزان نجاة في مأتم مارغريت..؟

ولماذا اغنية واحدة بالذات من اغانيها...؟

لمن صباي لمن؟

شال الحرير لمن؟

ضفائري منذ أعوام أربيها.

التفسير صعب، وما امامك غير قدح ماء قراح فلا تتهم التهيؤات وابحث عميقا في دهاليز نفسك يا فتى، او دعني اريحك لا تبحث ولا تتعب فالشرارة تلتمع وتقدح لوحدها حين يأتي الشطر ـ المفتاح: ارجع الي فإن الارض واقفة حب الاميرة التعس اذن هو الذي ذكرك بنجاة، وما بين الاميرة والصغيرة نتذكر دوما الحب الصعب، ونتعاطف مع من تقسو عليهم الحياة، فتظنهم عن بعد سعداء وحين تقترب لتطل من الكوة ليس على طريقة نشيد الانشاد حبيبي أطل من الكوة فأنت عليه احشائي انما على طريقة التعاطف العميق المزدان بكل ما هو انساني فينا، اقول: حين تطل من الكوة، وتحاول ان تلخص حياة هذه الاميرة المسكينة لا تتذكر غير حبها الكبير الذي وقفت في وجهه التقاليد ففشلت وجلست في ركنها بعد ان وقفت الارض تغني مع نجاة او مع غيرها ذلك المعنى الذي تظنه شائعا لكنه شديد الخصوصية في كل تجربة مجهضة:

ارجع الي فبعدك لا عقد اعلقه ولا لمست عطوري في أوانيها وقد علقت الراحلة مارغريت عقودا ولمست عطورا، وتزوجت واحبت لكن حب الصبا ظل يسد عليها الآفاق ومن سوء حظها انهم منحوا زوجها لقب اللورد سنودون، وهي ذات تقاليب حروف اسم حبيبها تونسند، بعد حذف التاء طبعا، ففي تجارب الحب المحبط لا فرق في حرف، ولن يقل الحزن حتى وان ألغيت اسفارا او حذفت ابجدية بكاملها.

ويوشك الفتى ان يرتاح لهذا التفسير الذي احل نجاة مكان مارغريت لكنه فجأة يتذكر شقيقتها، فاليوم يصدر القضاة البريطانيون رأيهم في ظروف انتحار، او استنحار سعاد حسني، وقصة الملكة مع شقيقتها ليست اقل تعقيدا من حكاية السندريللا مع اختها.. واحدة تأخذ المجد والاضواء، والثانية تتراجع الى الظل لتجتر وحيدة وببطء سيرة احباطاتها واحزانها.

ودعك من امس واليوم، فغدا عيد الحب واذا قلت لنجاة كل سنة وانت عاشقة، فماذا تقول لمن صرن تحت التراب حيث لا عطور، ولا عقود ولا مواكب، ولا دعوات للرجوع لبعد المسافة بين عالمين يعبرهما المسافر بشهقة واحدة، فيرتاح من الرغبات والامنيات:

وكم تمنيت لو للرقص تطلبني.

ولا تستكثروا من «لو» فهي ما افادت الاحياء لتفيد الموتى، والآن الى بيت القصيد، فالذي جعل الاميرة تختلط مع الصغيرة ليس الاغنية منفردة ولا حس الفقدان وحده انما ذلك النموذج من الناس الذي يموت عدة مرات قبل موته الأخير، فهل يذكر احدكم ما هي آخر مرة سمع فيها عن نجاة صاحبة هذه الاغنية البديعة التي نترنم بها بين الفقرات..؟

الفتى لا يذكر لكنه يعرف تخمينا عمق وصعوبة هذا الغياب، فليس اصعب على من اعتاد الاضواء ان يراها تهجره فجأة، فيهبط الظلام رويدا، ويجلس المهجور او المهجورة في الكواليس مع بعض البصيص البعيد، ولا دور له غير انتظار الظلام الأخير، وفي هذه المرحلة لا شيء غير هسيس الذكريات البعيدة، ولا شيء يرجع الى الوراء غير الألم: ارجع إلي كما أنت صحواً كنت أم مطرا فما حياتي انا ان لم تكن فيها في هذه المرحلة لن يجديك ان تقول لأي كان:

أنا أحبك حاول ان تساعدني فإن من بدأ المأساة ينهيها ففي الكواليس، وحين تقترب من باب الخروج لا احد يستطيع ان يساعدك كبيرا كان أم اميرا، فالكل ينتظر اسدال الستار وما انت في كواليس النهايات إلا شجرة مخلوعة الجذور تنتظر قاربها على شاطئ مهجور لتقفل راجعة الى مصدرها في تلك الديار القصية حيث ممالك الهدوء والسكينة والسلام والنسيان.