نحو «غيتو» جديد

TT

في سعيها الدؤوب للالتفاف على «المقدر» ـ اي الجلاء العسكري عن الاراضي الفلسطينية المحتلة ـ أو، على الاقل، إرجائه قدر المستطاع، بدأت حكومة ارييل شارون الترويج لاقتراح بإقامة سياج فاصل بين ما تسميه اسرائيل بـ«الخط الاخضر» واراضي الضفة الغربية.

حتى الان كانت هذه الفكرة «خطا أحمر» لا يجوز الحديث عنه. ورغم أنها طرحت، للمرة الاولى، قبل اربع سنوات تقريبا فقد أغفلت بسرعة لخشية الاحزاب الصهيونية المتشددة من ان يتحول مع الزمن اي حاجز مادي بين الضفة واسرائيل ما قبل يونيو (حزيران) 1967، الى «حدود» جغرافية بينها وبين «الدولة الفلسطينية». الا ان فكرة الحاجز عادت الان الى بساط البحث الجدي بعد ان طرحها هذا الاسبوع آفي ديختر، رئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلي الداخلي (شين بيت)، على لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، وبعد ان تعرضت الاراضي الاسرائيلية لقصف بصواريخ «القسام» الفلسطينية.

في مداخلته امام لجنة الكنيست، لاحظ رئيس الـ«شين بيت» ان العدد الاكبر من الـ52 فلسطينيا الذين نفذوا عمليات انتحارية داخل اسرائيل خلال الشهور الستة الاخيرة قدموا من الضفة الغربية. ولذلك اقترح العودة جديا الى فكرة اقامة حاجز فاصل بين الاراضي الاسرائيلية والضفة، مبررا ذلك بانه «لا يرى وسيلة اخرى قادرة على منع الهجمات الفلسطينية» ـ وفق ما نقلت عنه صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية في عدد الاربعاء الماضي.

دعاة «الانفصال الاحادي الجانب» في اسرائيل رحبوا باقتراح رئيس الـ «شين بيت» على اعتباره صادرا عن مسؤول توصل الى استنتاجه هذا انطلاقا من معطيات امنية لا سياسية ومن المستبعد، بالتالي، ان يحول اقتراحه الى «شعار سياسي». طرح اقتراح الحاجز الفاصل بين الضفة واسرائيل في اعقاب طرح اقتراح «الجدار الواقي» لمدينة القدس، يوحي بان اسرائيل ارتدت، في عهد حكومة ارييل شارون، الى الذهنية اليهودية التي سادت المجتمعات اليهودية في القرون الوسطى.. ذهنية التقوقع داخل «غيتو» يهودي يحول دون الاندماج في المجتمع الاوسع، ففضلت التفكير في الاقتراحات الامنية المكلفة ماليا والصعبة التحقيق عمليا على مواجهة الاستحقاق السياسي الاسهل والاقل كلفة، اي العودة الى طاولة المفاوضات والتحدث مع الفلسطينيين حول سبل تطبيق قرارات الشرعية الدولية. بتعبير آخر، ما تحتاجه اسرائيل اليوم لاعادة استقرارها الامني، لا تتجاوز كلفته «ثمن» قرار سياسي بتحريك مفاوضات بيريس ـ ابو العلاء، المتفق اصلا على بنودها الاساسية: اي وقف لاطلاق النار تحت رعاية اميركية والبدء بتطبيق مقترحات الموفدين الاميركيين، جورج تينيت وجورج ميتشل... الا اذا كانت ذهنية التقوقع داخل «غيتو» يهودي صرف ما زالت شعار «البقاء» اليهودي حتى في «ارض الميعاد».