العرب والمسلمون..وضرورة تطوير التعليم

TT

تقليب بطاقات فهرس الارشفة في مكتبة جامعة القاهرة يقدم للباحث، على الفور، صورة واقعية لمأساة مصر، ومأساة العديد من الدول الاسلامية الفقيرة الاخرى، وبعدها عن الهدف الذي اعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش، عن حق، في خطابه الموجه للامة، حين طالب العائلات في كل المجتمعات ان تعلم اطفالها.

كانت ادراج البطاقات ومعلومات الكتب، في المكتبة مبعثرة على الارض، وتعكس حالة الفقر التي اوصلت التعليم العالي الى هذا المستوى، في جامعات كانت ذات يوم، فخراً للعالم الاسلامي. بامكان اميركا، بل يجب عليها ان تفعل شيئاً ما للمساعدة في هذا المجال.

هناك تطلع حقيقي الى الطرفين الاميركي والاسلامي نحو حوار يستدعي ان يكون التعليم اساساً له. لقد كان الرئيس الايراني، محمد خاتمي، اول من طالب بحوار الحضارات، وهذا ما تبنته الامم المتحدة كموضوع نقاش في العام الماضي. الولايات المتحدة التزمت بدورها، ومنذ زمن، بدعم التعليم في العالم الاسلامي، وهناك الجامعات الاميركية العريقة في بيروت والقاهرة، وبرنامج فولبرايت (للمنح التعليمية)، والتي ساهمت في تخريج متعلمين متعمقين وخبراء في التواصل الثقافي بين الطرفين.

لكن النتائج، حتى الان، لم تزل قليلة ومحدودة، وقد حان الوقت لرسم خطة يمكنها، عبر التعليم، ان تمهد الظروف لحوار، ولبناء رصيد انساني بشري مهم جداً، لتنمية المجتمعات الاسلامية الفقيرة مثل مصر. وقد تكون بعض المساعدات الصغيرة ذات شأن ومردود ثابت للحوار بين الثقافات. كأن يعمل استاذ تاريخ اميركي لفترة عام في مصر، مثلا، او يحضر مصري للحصول على شهادة عليا في الرياضيات من معهد ماساشوتس التقني. هناك مجال لدعم حوار الثقافات ايضا، عبر تقديم المساعدة لمعاهد علوم انسانية وفنية ليبرالية معروفة، تعلم بالعربية، في القاهرة وتقدم شهادت بكالوريس لاعداد كبيرة من الطلاب الشباب. معاهد العلوم النظرية الليبرالية، التي تعلم بالاوردو او الطاجيكيه او العربية وغيرها من اللغات، عددها قليل في الدول الاكثر فقرا في العالم الاسلامي. لا يريد احد «امركة» الاخرين عبر التعليم، ولكن يجب زيادة عدد المتعلمين بحيث لا يؤدي تعليمهم الى عزلهم في نخبة ذات معارف ولغات اوروبية . وللاسف فان ارتباط المتعلمين باللغات الاجنبية يخلق النخب، ويوسع الهوة بينهم وبين ابناء اوطانهم، ويجعلهم غرباء غير مهمين بين قومهم . الخريجون من نظام تعليم ليبرالي سيكونون قوة من اجل التطور الاقتصادي، ليس فقط بسبب خبراتهم، ولكن لقدرتهم على التحدث باصالة عن ثقافتهم وبلسان مجتمعهم، وسيكون من المستحيل دمغهم «كعملاء» لثقافات خارجية. الروائي نجيب محفوظ مثلاً، حامل جائزة نوبل للادآب، تخرج في جامعة القاهرة، عندما كانت الجامعة مؤسسة ذات شأن. وكان محفوظ رجلا شعبيا، ولم يتربى على تعلم الانجليزية، ولو اراد الاشتراك في جامعات تتحدث بالانجليزية فربما رفض طلبه. لماذا يُفضل اذاً دعم التعليم الجامعي في مجتمعات بحاجة للكثير من المساعدة ؟ السبب في ذلك هو وجود اعداد ضخمة ممن هم تحت سن الحادية والعشرين في تلك الدول، وكلهم جوعى للتعليم وللتفاهم، ولانهم الذين سيشكلون ثقافة ومستقبل اوطانهم لماذ يُفضل دعم التعليم باللغات المحلية؟ لانه سيصل الى المحرومين، ويصيغ نصوص الكتب التعليمية، وحتى اللهجات الاقليمية تجد تعابيرها بهذا الاسلوب، ويفتح حوارات داخلية معتمدة على الثقافات الذاتية ومدعمة لها، خصوصاً في دول مثل مصر ذات نظام تعليمي ذاتي ممتد لاكثر من الف عام.

لماذا دعم التعليم الليبرالي ؟ لان الفكرة التقليدية تقر بأن التعليم الليبرالي يعلمنا التفكير النقدي، والكتابة المبدعة في العلوم الانسانية والعلمية، وهي قيم تقاسمتها الثقافتان الاسلامية والغربية لاكثر من الف عام، وكما قال الرئيس بوش في خطابه «دع المتشككين ينظرون الى الغنى الذاتي في التاريخ الاسلامي، حيث التعلم والتسامح والتقدم». لقد كانت القاهرة، في الماضي، المكان الذي تعلم فيه الفيلسوف اليهودي بن ميمون افكار الفيلسوف المسلم ابن سينا، وطالع كتب ارسطو المترجمة مع غيرها على يد فلاسفة مسيحيين ومسلمين عرب. لكن نظام المدارس القديم واسلوب المعاهد الاوروبي، المتبع في التعليم حتى الان، وصلا، منذ زمن، الى نهايات صلاحيتهما، هذا دون الحديث عن المدارس الدينية الجديدة المتخلفة، التي تظهر كالفطر في العالم الاسلامي.

خطة تعليم جديدة وبرنامج منح تعليمية، مدعمة من اميركا، يمكنها انقاذ هذه المدارس، او اقامة مدارس ومؤسسات اخرى موازية لها في القاهرة وكراتشي واماكن اخرى مشابهة، مثل هذه الخطة يمكنها توفير السبل لاقامة حوار مزدهر بين الحضارات.

* استاذ التاريخ الاسلامي في جامعة هارفارد (اميركي من اصل ايراني) ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»