إيران بين العسكر والسياسة (2-2)

TT

محور الموضوع هو تأرجح ايران، وهي دولة كبرى في المنطقة، بين رغبتها في ان تكون دولة قوية عسكريا ودولة يركن اليها سياسيا من قبل دول المحيط الذي تعيش فيه. ولايران الآن سجل يكفي للحكم عليها، فهي كانت متهمة بدعم تنظيمات عسكرية في المنطقة وتوليد حركات عنف معارضة، الا ان هذا الوضع لم يعد اليوم مطروحا كما كان قبل عشر سنوات. مع هذا ستظل تضع الآخرين في خوف لأنها تنفذ مشروعا عسكريا تريده ان يجعل منها دولة اقليمية نافذة عسكريا، مستشهدين بحرصها على التسلح رغم تضاؤل احتمالات الخطر الاقليمية على امنها القومي، خاصة بعد ان تكفل الاميركيون بتحطيم قوة اهم غريم لها، اي العراق، وتخليصها من مستنقع عسكري كانت محتارة في التعامل معه، اي افغانستان، وهو الآخر حسم امره لصالح طهران من دون ان ترسل جنديا للحرب فيه.

ولعل التطورات الجديدة في «محور الخير»، لو صح لنا اقتباس معايير الرئيس الاميركي نفسه، هي تطورات تصب جميعها في صالح ايران مرة ثالثة، فالتوجه الاميركي الجديد انقلب على سياسة الماضي التي كانت تعتمد فتح الباب ببطء شديد للعراق لفك الحصار عنه. والسياسة الاميركية الجديدة بعد احداث سبتمبر (ايلول) الماضي تتعمد التفتيش في خزائن العراق العسكرية والاستخباراتية، باحثة عن دليل لاسقاط كل النظام، وحتى اذا لم تعثر على دليل فان التوجه هو نحو القضاء على اي قوة عسكرية عراقية مهما كانت محدودة لانها تعتبر دولة غير مسؤولة وخطرة. وهذا سيصب مرة اخرى في صالح ايران في حساب موازين القوى، ويسحب اي حجة ايرانية تتخوف من اي تهديدات عراقية لعشرين عاما مقبلة. وهناك ايضا انتباه الاميركيين ونشاطهم في ملاحقة الجماعات الدينية المتطرفة، وهي في غالبيتها سنية ذات موقف معاد لايران، يخدم طهران بدليل ان ايران شاركت الهند والولايات المتحدة، في التعبير عن قلقها من عدم كفاية الاجراءات الباكستانية في قمع الحركات الدينية المتطرفة التي قالت ايران انها وراء عمليات دموية ضد الشيعة. في اطار الوضع الجديد، والسابق ايضا، فان ايران اقل حاجة للتسلح واكثر احتياجا للحيوية الدبلوماسية مع كل العرب لتوسيع دائرة أمن الاقليم الذي تعيش فيه. وكما ذكرت في الجزء الاول من المقال، ان الامن الشامل مفتاح الامن الخاص بكل دولة. فكل دول المنطقة تعيش في رعب، وارثة عهود الحرب الباردة ونزاعات المنطقة المتكررة، وكل دولة عندها هاجس انها ستخوض حربا في يوم ما مع دولة ما، وهذا يحتم عليها ان تستعد حتى لا تؤكل كما اكلت الكويت في يوم صيف حار. والامن الشامل لو سعت الى تثبيته الدول الكبرى في المنطقة مثل ايران والسعودية ومصر وسورية وحتى العراق وغيرها، ربما ينهي ازمة الاستنفار الدائمة والتسلح المتزايد. وبالتوجه نحو الفكر الامني المتكامل يصبح سهلا على الجميع ان ينتقلوا الى المراحل التالية.. الى التكامل الاقتصادي والاجتماعي، الذي لا يمكن ان يتحقق في ظل الشك والريبة والسلاح وقراءة ما بين السطور.